ابن أبي سلول: يا هذا ما أحسن ما تقول إن كان حقا، فلو أنك جلست في بيتك فمن أتاك حدثته ولم تعرضه على من لا يريده، وشيع بعض اليهود كلامه، فأقبل سعد بن الربيع على اليهودي وقال: مالك ولهذا لا أم لك، كف عن هذا المنطق، فقال ابن أبي سلول: وما قال؟ يذهب محمد إلى من أخرجه من بلاده ومولده فأما من لم يخرجه فلا يغشاه، وقال زيد بن اللضيب معينا لعبد الله: انظر يا محمد إلى الذين جاؤك فأخرجوك من بلادك فاتهم واترك من لم يدعك. وخاض المسلمون الذين كانوا في المجلس، وناظروا ووعظوا عبد الله مع إكرامهم له وهيبتهم له، إلى أن قال عبد الله بن رواحة: بل اغشنا بهذا في منازلنا ورحالنا فإنا نحب ذلك. فاغتاظ ابن أبي بن سلول مما كان وقال في ذلك:
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل ويعلوك الذين تضارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وإن قص يوما ريشه فهو واقع
ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وركب حتى أتى سعد بن عبادة وذكر له ما كان من عبد الله بن أبي بن سلول فقال له سعد: يا رسول الله، والذي أكرمك بالنبوة لقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه، أنشدكم الله أتعلمون ذلك، قال القوم: نعم، فما يرى إلا أنك نزعت شيئا في يديه، قال سعد:
والله ليرى أنك نزعت ملكه، لقد جئت. وإنا لنجمع الخرز لنعقد على رأسه التاج، وأنت أحق من عفا عنه لأنه خالك» .
فتأمل ما في هذا وانظر كيف يتكلم كل أحد بما عنده غير خائف ولا هائب، / وانظر إلى عبد الله وتلك الجماعة من قومه، واليهود الذين قد زينوا عداوته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم. وقد دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى دينه واحتج عليهم وتلا القرآن، فما أتوا بشيء يقدح فيما تلاه واحتج به، ولا قالوا هذا كلام
(١) انظر لتفصيل هذه الحادثة سيرة ابن هشام ٢: ٥٨٧، ولحادثة مربع بن قيظى نفس المرجع ٢: ٥٢٣