فقيل له: أما أهل الرأي فيقولون: إن عليا كان له بناء فهدمه، وكان له جمع ففرقه، فحتى متى يا بنى مثل ما هدم، ويجمع مثل ما فرّق، فلو أنه إذ عصاه من عصاه مضى بمن أطاعه فإما فتح وإما قتل، فكان أعذر مما صنع؛ فقال رضي الله عنه: أنا هدمت أم هم؟، أنا فرقت أم هم؟ وأما قولهم: لو مضى بمن أطاعه من أصحابه إذ عصاه من عصاه ففتح أو قتل فكان أعذر، فو الله ماغبي عليّ هذا الرأي ولا ذهب عني، ولكن كان هذان، يعني الحسن والحسين، متى حملت اتبعاني، وهذان: يعني محمد بن الحنيفية وعبد الله ابن جعفر/ بن أبي طالب يقدماني فكرهت أن يهلك هذان فلا يبقى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ذرية، وكرهت أن يهلك هذان فإنهما شابان ومن أجلي أقدما، وسترون إذا عدت إن شاء الله إلى الشام، لا أدع هؤلاء في عسكري.
فانظر كيف يباحث أهل الرأي ويقبل الصواب ويحمده ويبين عذره لما هو.
ولما قال له قائل بالكوفة: ذهبت إلى الشام ورجعت فلم تصنع شيئا، فيكون من جوابه، أن على الانسان أن يجتهد رأيه، ولا لائمة عليه بعد ذلك.
ولا يحتج في شيء من ذلك بنصّ، ولا حكمة، ولا عصمة، ولا آية ولا معجزة، ولا يقول: هكذا وصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال لي: ينبغي أن تفعل كذا، ويقول لأهل الكوفة: اخترتكم على أهل البصرة وظننت أن عندكم ما أحب من الطاعة والنصرة، فقلت لابن عباس هؤلاء أشد شوكة، وهم أزالوا كسرى عن ملكه، فلم تكونوا كما ظننت.
وخطبهم مرة فقال:
ليتني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما، وملأتم قلبي غيظا،