للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن سعد على مصر، ثم أظهر تهمته وتقصيره والخوف من خيانته فعزله، مع شهامته وكفايته وأمانته وثقل وطأته على عدوه معاوية، واستعمل على مصر بدلا منه محمد بن أبي بكر الصديق، وهو يعلم أنه يقصر عن منزلة قيس، وأن معاوية سيقتله ويقتل أصحابه، وأنه بعد قتل محمد أنفذ الأشتر واليا على مصر، وهو يعلم أن صاحب القلزم سيقتله، وأنه والأئمة من ولده كانوا يعلمون ضمائر الخصوم الذين يرتفعون اليهم، ومن المحق منهم ومن المبطل، ويعرفون ضمائر الشهود والذين يشهدون عندهم، ومن هو الكاذب من الصادق.

والعلم رحمك الله إنما يحتاج إليه لاجتلاب المنافع ودفع المضار، فهذ موضع الانتفاع بتقدمة المعرفة، ولولا ذلك لكان طلب العلم جهلا، والرغبة في المعرفة عناء، والله عز وجل يقول لنبيّه: قل يا محمد: «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ» «١» ويقول له في قوم كانوا يظهرون له الحيل فيظن ذلك بهم: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» «٢» وقال له في آخرين ظن بهم هذا الظنّ: «وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» إلى قوله: «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ» «٣» وقد قال صلّى الله عليه وسلم (إنكم لتختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أحكم بالظاهر والله هو المتولي للسرائر، فمن قضيت له بشيء بغير حق فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار) وهذا باب لا يتكلف نقضه على الخصوم، وإنما ذكرناه على طريق التعجب، فإنّ من عرف أمير المؤمنين وولده رضي الله عنهم، يعلم أنهم كانوا لا يعلمون ما يدعيه هؤلاء عليهم، وأنهم كانوا يعملون فيها بظنونهم


(١) الأعراف ١٨٨
(٢) البقرة ٢٠٤
(٣) المنافقون ٤