للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخطوط التي لا يكون أحسن منها، ونطقوا باللغات كلها، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم قد كان قرأ صحف ابراهيم، وما نزل على آدم، ونوح، وموسى، وداود، وعيسى، وجميع الأنبياء، بتلك الألسن، وكتبها بتلك الأقلام.

وأنت تجده صلّى الله عليه وسلم يحتج في نبوته على عدوه حين تلا عليهم ما في كتبهم بأنه من قبل الله وعلمه، وأنه ما تلا قبله كتابا ولا خطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون.

ويدلّ بذلك، ويستطيل على الخصوم ويقول: إن الله قد نعته ووصفه للأنبياء قبله بأنه النبي الأمي، وهؤلاء يقولون لم يكن الأمر كذلك، وزعموا أنهم يمدحونه بهذا القول وفيه تكذيبه. فتأمل ما يجلب هؤلاء على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى دينه من المكاره وهم يتجاوزون هذا إلى أن هؤلاء القوم يعلمون ما تريده السباع بعوائها، وكذا جميع الطير والبهائم، وهذا لهم مسطور، وأنت فقد علمت بدليل عقلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قرأ كتابا قط ولاخطه بيمينه كما تقدم ذلك، وبأي شيء تعلم أن أبا بكر وعمر وعثمان والعباس وعبد الرحمن وأمثالهم ما كانوا «١» يكتبون بهذه الأقلام ولا يحسنون هذه اللغات إلا والعلم بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين رضي الله عنهم ما كانوا يحسنون ذلك أقوى وأظهر.

وأن هؤلاء ما كانوا يكتبون إلا بالعربية، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما كان يكتب لا بالعربية ولا بغيرها من الأقلام، وهم يدّعون على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى هؤلاء الذين يدعون إمامتهم أنهم كانوا يحسنون الصنائع كلها، وأنهم أعلم الناس بها، من النجارة والخياطة والصباغة، وكل صناعة في الدنيا صغرت أو كبرت، ارتفعت أو اتضعت، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان أعلم بالشعر من كل شاعر، وقد علم أهل المعرفة بعقولهم أنه ما كان يحسن شيئا من ذلك البتة، ولا يروي لغيره شيئا منه البتة، وأنه كان لا يقيم بيتا واحدا يرويه لغيره كما يرويه


(١) في الأصل «كان» ولعل الصواب ما أثبتناه