الذين اعتقدوا هذا جهال حمير لا يميزون، وإنما الذي يجدونه من اللذة راحة من ألم فيهم ووجع يعتريهم، كالذي يجد من الراحة من أثقله بوله وغائطه حين يضعه، وكالذي يستريح بحك جربه ويضع المرهم على شجّته وجرحه.
وكل عاقل في الدنيا يفرق بين ما يلتذ به وبين ما يتداوى به من جرحه، ويتمنى بقاء ما فيه من شهوة وشباب وجلد ويحرص على اجتلا به، / ويأسا على ما فاته منه، ويبكي وينوح على ما فاته منه كما يبكي على فقد أحبابه، ولذهاب سمعه وبصره، ويتمنى ردّ ذلك عليه، ويستوصف الأطباء ما يقوي الشهوة ويعيدها وهو لا يتمنى الجرب ليحتك، ولا القروح والجراح ليتداوى، ولا أثقال الغائط والبول له ليقعد لإخراجه. وهذا من الجهل الواضح الذي يعرف بالحس، والعجب أن لابن زكريا في مواضع من كتبه في الطب أبوابا في حفظ الشهوة والصحة والشباب والجلد والقوة، ويوصي بذلك أتم الوصايا.
ثم فهم ينسون المشاهدات، ويدفعون الضرورات، وقد شغلهم الغيظ على من جعل هذه نعما من الله ووعد بأمثالها في الجنة، ويدعون لأنفسهم ولمن أطاعهم في ظنهم أنهم يبرّونه ويديمون صحته وجلده، وحالهم وحال الملوك الذين استطبوهم وأطاعوهم ما قد عرفه الناس.
وبنزار هذا الذي زعم أنه العزيز وفرعون مصر ظهرت بثرة في مشط قدمه قد أضنته ونغّصت عيشه وقد جمع لها حذاق الأطباء، وبذل لهم الرغائب، وهم حوله ومعه لا يفارقونه، وهم آثر الناس وأوجبهم عنده، وما يزداد مرضه إلا قوة، وهو جلد وسيم جسيم.
وقد كان سلطان بلخ عرض له مرض فوصف له ابن زكريا الرازي ما رغبه حتى رحل اليه، فاقترح على هذا السلطان مسألة أبي القاسم البلخي رحمة الله عليه إجابته عما يسأله، ففعل السلطان ذلك، وألزم أبا القاسم هذا فأجابه،