وأيضا فقد يجوز ان يحجبه الله عز وجل لمصالح العباد إلا عن أولئك القوم، لأنه قد يجوز ان يكون في بعض البلاد من المكذبين والمحتالين في تلك الساعة من لو رأى ذلك لقال: انما انشق شهادة لي على صدقي، ولا يكون ما ذكره النظّام قد جاء في ذلك من هذا الوجه ايضا، وبطل ما توهمه.
ومدار/ الأمر ان يكون هذا أمرا قد كان، وقد ذكرنا الدلالة على كونه فلا عذر لمن شك فيه.
ومن الدلالة ايضا ان ذلك قد كان، ان الصحابة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد تذاكروه فما فيهم من شك ولا ارتاب ولا توقف، بل وقع إجماع منهم على كونه ووقوعه، فلا معتبر بمن جاء بعدهم ممن خالفهم.
وقد ذكر انشقاق القمر علي بن ابي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجبير بن مطعم، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وخطب الناس مدينة بن مالك بالمدائن وذكر فيه انشقاق القمر. وكانوا يقولون:
خمس قد مضين: الروم والقمر والدخان والبطشة واللزام «١» ، يتذاكرون هذا بينهم رحمة الله عليهم. وقد ذكرنا ما في العقل من الحجة في ذلك، وهي تلزم كل عاقل بلغته الدعوة، سواء كان من المسلمين او من غيرهم،
(١) يقصد بالروم غلبة الفرس على الروم وما تنبأ به القرآن من غلبة الروم بعد ذلك في سورة الروم، والقمر حادثة انشقاق القمر الذي ورد في القرآن في سورة القمر، اما الدخان فما ورد حوله في سورة الدخان، وأما البطشة فيقصد بها وقعة بدر لقوله تعالى: «يوم نبطش البطشة الكبرى» ، وأما اللزام فقد قيل ان المقصود بها بدر ايضا، وقد ذكر ذلك ابن الاثير في النهاية ٤: ٥٦.