وبيّن، والبضع فوق الثلاث ودون العشر، وانظر الى هذا الإقدام وهذه الثقة من رسول الله، وانظر الى قوله:«ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» ، يريد بهذا النصر ظهور حجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما أقدم عليه أبو بكر وجاهد المشركين وبايع، فهذا المراد بالنصر لا بظهور الروم على فارس لأن ذلك معصية، وفارس والروم كفار والله لا ينصر الكفار بعضهم على بعض. وانظر الى هذا التقريع والتوبيخ وتأكيده الوعد بقوله:
«ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون» وانظر كيف يستخف بهم ويستجهلهم وهم يسمعون وهو معهم وفي قبضتهم وفي أيديهم والغلبة لهم، وانظر كيف يقول له في آخر السورة:«فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون» ، فتأمل هذا البيان/ وهذا الافصاح وهذه المكاشفة والاستظهار والعلوّ والاستطالة بالحجة والعلم بهذا، وانه قد كان على ما ذكرنا وبيّنا يجري مجرى العلم بقصة المهاجرين الى ارض الحبشة ونظائرها مما قدمنا في قصة الاسراء وغيرها، فاحفظه وارجع اليه.
وتأمل حال أبي بكر الصديق في الاسلام وإسلامه في اول الاسلام وفي حال ضعفه وقلة اهله وغلبة الشرك والمشركين عليهم، وفي الحال التي قد كان المستبصر فيها لا يظهر دينه ويخفي ما في نفسه، وانظر الى بصيرة هذا الرجل ومكاشفته واستبداله بالمسالمة عداوة وبالراحة شقوة وبالغنى فقرا وبالكرامة هوانا، كل ذلك للإسلام. ثم كان لسان المسلمين وأكبر داعية للرسول وأجلّ أعضاده وأنبه أعوانه، لم يقم مقامه احد من المسلمين ولا سدّ مسدّه ولا حلّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم محله. وانظر