فإن قيل: او ليس قد ذكر ان في شعر الشراء الأولين ذكرا لانقضاض الكواكب، وفي كتب العجم ذكر لذلك.
قيل له: إن ابا علي وابنه ابا هاشم «١» واصحابهما قالوا: ما ننكر ان يكون قد كان قبل مبعث النبي شيء من انقضاض الكواكب، ولكنا قد علمنا بالدليل الذي قدمنا انه قد حدث عند مبعث النبي شيء انتقضت به العادة، وامتلأت السماء به، فتلك الزيادة على الامر المعتاد هي الحجة؛ فصار ذلك بمنزلة الطوفان، فإن الماء قد كان قبل نوح عليه السلام يزيد زيادات كثيرة معروفة معتادة، فلما جاء نوح صلى الله عليه زاد/ الماء زيادة انتقضت به العادة وخرج عن الأمر المعتاد، فكانت تلك الزيادة هي الآية وهي الحجة. فليس في شعر الشعراء ولا فيما وجد في كتب القدماء مطعن في هذه الدلالة، ولا تكذيب لهذا الخبر، وهذا جواب سديد شاف كاف، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم انما احتج بامتلاء السماء بالشهب لا بالأمر المعتاد، هذا لا يفعله عاقل ولا يقع منه كائنا من كان، فكيف بمن يدعى الصدق والنبوة ويريد من الناس كلهم تصديقه واتباعه، فلا يجوز ان يحتج عليهم بأمر قد عرفوه قبل ان يخلق ويخلق آباؤه فيقول: هذا من آياتي ومن اجلي حدث وبسبب تصديقي خلق، فيكون بمنزلة من قال: من الدلالة على نبوتي ان الشمس ما كانت تطلع عليكم وانها الآن قد صارت تطلع.
فأما ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ رحمه الله، فانه يذكر في كتاب «الحيوان» انقضاض الكواكب، وذكر ما فيه من الآية والحجة في النبوة،
(١) ابو هاشم الجبائي هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي «٢٤٧- ٣٢١ هـ» من كبار رجال المعتزلة له طائفة تنتسب اليه تسمى بالبهشمية، ويعتبر القاضي عبد الجبار من تلاميذه ورجال مدرسته. وفيات الاعيان ١: ٢٩٢ وتاريخ بغداد ١١: ٥٥.