للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمسك عنهم القطر حتى جفّ النبات والشجر وماتت الماشية، وحتى اشتووا القد «١» وأكلوا العلهر «٢» ، وتفرقوا في البلاد لشدة الحال. فوفد حاجب ابن زرّارة الى كسرى فشكا اليه ما نالهم، وسأله ان يأذن له في الرعي بالسواد ورهنه قوسه، وهي قصة معروفة نزل بها القرآن وجرى فيها الخوض، وهو قوله عز وجل: «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ «٣» » . والدخان الجدب «٤» ، ثم سمي دخانا لأن الغبار يرتفع في عام الجدب فيكون كأنه دخان، ولذلك سميت سنة الجدب غبراء لارتفاع الغبار فيها، وهذا شيء قد كان ومضى، ولا يجوز ان يكون هذا مما لم يأت، لأنه عز وجل يقول: «يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ «٥» » . ثم ورد على نسق/ «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ» يعني يوم بدر، وهذا كله يدل على ان الدخان قد انقضى ومضى، وانه بدعائه، لأن العذاب في الآخرة لا يجوز ان ينكشف ولا يخف. وقد قال في هذا: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» والعود الى المعاصي في الآخرة لا يقع ايضا. وكان انكشاف العذاب عنهم بدعائه ايضا، فأتاهم الغيث وكثر، ثم عادوا الى طغيانهم.


(١) القدّ في الاصل هو القطع المستأصل او المستطيل او الشق طولا، ويطلق على جلد النحلة. انظر القاموس المحيط.
(٢) في حاشية الكتاب ان العلهر هو الدم يخلط بالوبر.
(٣) الدخان ١٥ وما بعدها
(٤) في الحاشية: الدخان، الجدب
(٥) الدخان ١٥ وما بعدها