هكذا كان الأمر فى حياته صلّى الله عليه وسلم وأما بعد مماته فكذلك يجب على المسلم أن يتأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحيث لا يرفع صوته عند سماع أحاديثه صلّى الله عليه وسلم لأن حرمته ميتا كحرمته حيّا سواء بسواء وأن أحاديثه تقوم مقامه.
يقول ابن العربى رحمه الله تعالى:
«حرمة النبى صلّى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيّا وكلامه المأثور بعد موته فى الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك فى مجلسه عند تلفظه به، وقد نبه الله تعالى على دواء الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى:
وكلام النبى صلّى الله عليه وسلم من الوحى وله الحرمة مثلما القرآن إلا معانى مستثناة بيانها فى كتب الفقه، والله أعلم. ويراعى هذا الأدب- وهو عدم رفع الصوت أيضا فى مسجده صلّى الله عليه وسلم، لما أخرجه البخارى بسنده عن السائب بن يزيد قال:
«كنت قائما فى المسجد فحصبنى رجل، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتنى بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا:
من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ، صحيح البخارى.
كما أن هذا الأدب المستفاد من الآية يكون مع العلماء لأنهم ورثة الأنبياء وكذلك مع الأبوين وغيرهما لمن له فضل على الإنسان المسلم. فلا شك أنّ هؤلاء الأشخاص يأخذون هذا الحكم وينبغى التأدب معهم وتوقيرهم بالشكل اللائق بهم مع مراعاة الفرق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأن مقامه أرفع من هؤلاء جميعا وهو صلى الله عليه وسلم المعنىّ بالآية أصلا وهؤلاء تبعا وليس الفرع كالأصل وإن اشتركا فى أمور، والله تعالى يقول: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (الأحزاب: ٦) بل ينبغى أن يحترم العبد النبى صلّى الله عليه وسلم أكثر من سيده.
وفى مجال التأدب مع الرسول صلّى الله عليه وسلم جاء التنبيه فى القرآن الكريم على