والتحذير الرهيب هو إحباط العمل الصالح بدون شعور صاحبه أخذا من قوله تعالى:.. أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.
وأحسن ما قيل فى تأويل هذه الآية ما ذكره ابن المنير- رحمه الله حيث يقول:
«والقاعدة المختارة أن إيذاءه صلّى الله عليه وسلم يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق، فورد النهى عما هو مظنة لأذى النبى صلّى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أو لا، حماية للذريعة وحسما للمادة.
وهذا على عزار قوله تعالى فى قضية الإفك: ... وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ.
وقوله صلّى الله عليه وسلم «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم» ، صحيح البخارى.
وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى عهده كما ورد فى الآثار: منها قول أبى بكر صلّى الله عليه وسلم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «والذى أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار حتى ألقى الله عز وجل» ، أورده الحاكم فى مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه ووافقه الذهبى.
هكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب، وذلك التحذير الرهيب، وهكذا تأدبوا فى حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون وتداركوا أمرهم ولكن هذا المنزلق الخافى عليهم كان أخوف عليهم فخافوه واتقوه: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات: ٣) .