ينفذ إليهما منه شيء» ولعل هذا الحجاب هو المشيمة. ويحتمل أن يكون غيرها.
قلت: وجاء عن مجاهد: «أن مثل عيسى في عدم طعن الشيطان في جسده حين يولد سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» وذلك لا يقال من قبل الرأي. وعلى تقدير صحة ذلك يكون تخصيص عيسى وأمه بالذكر كان قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم بأن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كعيسى وأمه.
وهذا الكلام يرد بيان القاضي عياض للضرر المنفي في قوله صلى الله عليه وسلم:«من قال إذا أراد أن يأتي أهله بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهما في ذلك الوقت ولد من ذلك الجماع لم يضره الشيطان أبدا» بأن المراد أنه لا يطعن فيه عند ولادته، بخلاف غيره، وهذا: أي عدم قربه من نبينا صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون في حق خصوص إبليس، فلا ينافي ما تقدم عن الحافظ ابن حجر أن عدم ارتضاعه صلى الله عليه وسلم في ليلتين بوضع عفريت من الجن يده في فيه على تسليم صحته.
وصاحب الكشاف أخرج المس ومثله الطعن عن حقيقته وقال: المراد به طمع الشيطان في إغوائه، وتبعه القاضي على ذلك، وسيأتي في شق صدره صلى الله عليه وسلم كلام يتعلق بذلك.
وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي: اعلم أنه لا بد لجميع بني آدم من العقوبة والألم شيئا بعد شيء إلى دخولهم الجنة، لأنه إذا نقل إلى البرزخ فلا بد له من الألم، أدناه سؤال منكر ونكير، فإذا بعث فلا بد له من ألم الخوف على نفسه أو غيره، وأول الألم في الدنيا استهلال المولود حين ولادته صارخا، لما يجده من مفارقة الرحم وسخونته، فيضربه الهواء عند خروجه من الرحم، فيحس بألم البرد فيبكي، فإن مات فقد أخذ حظه من البلاء. وقال بعد ذلك في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه الصلاة والسلام (والسلام علي يوم ولدت) : معناه السلامة من إبليس الموكل بطعن الأطفال عند الولادة حين يصرخ الولد إذا خرج من طعنته، فلم يصرخ عيسى عليه السلام بل وقع ساجدا لله حين خرج، فليتأمل هذا مع قوله إن استهلال المولود وصراخه حين يولد لحسه ألم البرد الذي يجده بعد مفارقة سخونة الرحم. وقوله:
بل وقع ساجدا يدل على أن سجود نبينا صلى الله عليه وسلم حين ولد ليس من خصائصه والله أعلم.
وذكر أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله ابن جحش كانوا يجتمعون إلى صنم، فدخلوا عليه ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوه منكسا على وجهه، فأنكروا ذلك، فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب انقلابا عنيفا فردوه فانقلب كذلك الثالثة، فقالوا: إن هذا الأمر حدث، ثم أنشد بعضهم أبياتا يخاطب بها الصنم ويتعجب من أمره: ويسأله فيها عن سبب تنكسه، فسمع هاتفا من جوف الصنم بصوت جهير أي مرتفع يقول: