فقالوا: يابن الحضير نحن مواليك وخاروا: أي خافوا، قال: لا عهد بيني وبينكم.
وتقدم أسيد إلى بني قريظة يجوز أن يكون قبل مقدم عليّ لهم، ويجوز أن يكون بعده.
وإنما قال لهم: يا إخوان القردة والخنازير، لأن اليهود مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير عند اعتدائهم يوم السبت بصيد السمك، وقد حرم عليهم ذلك كسائر الأعمال. وقد أمرهم أن يتفرغوا لعبادة ربهم في ذلك اليوم، وكان ذلك في زمن داود عليه السلام فلما مسخوا خرجوا من تلك القرية هائمين على وجوههم متحيرين، فمشوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يشربون، ثم ماتوا، وهذا دليل لمن يقول إن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام ولم يحصل منه توالد ولا تناسل.
وفي الكشاف؛ قيل إن أهل أيلة: أي وهي قرية بين مصر ومدين لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام: اللهم العنهم واجعلهم للناس آية، فمسخوا قردة.
ولما كفر أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام بعد المائدة، قال عيسى: اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي، هذا كلامه فليتأمل، فمكثوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يشربون فماتوا.
ثم إن جماعة من الصحابة شغلهم ما لم يكن لهم منه بدّ عن المسير لبني قريظة ليصلوا بها العصر، فأخروا صلاة العصر إلى أن جاؤوا بعد عشاء الآخرة، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يصلين العصر إلا في بني قريظة» فصلوا العصر بها بعد عشاء الآخرة. أي وبعضهم قال: نصلي، ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أي ندع الصلاة ونخرجها عن وقتها، وإنما أراد الحث على الإسراع فصلوها في أماكنهم، ثم ساروا فما عابهم الله في كتابه ولا عنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لأن كلا من الفريقين تأول.
قال في الهدى: كل من الفريقين مأجور بقصده، إلا أن من صلى حاز الفضيلتين ولم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، وهو دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب.
وادعى ابن التين رحمه الله أن الذين صلوا العصر صلوها على ظهور دوابهم.
قال لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع، ولا يظن ذلك مع تقرب أفهامهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه نظر، لأنه لم يأمرهم بترك النزول، ولم أر أنهم صلوا ركبانا في شيء من طرق القصة. والتعليل بالإسراع يقتضي أنهم صلوا