للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الليلة، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة، فقال محمد بن مسلمة: من هذا؟ قال عمرو بن سعدي، قال مرّ، اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام وخلى سبيله، وبعد ذلك لم يدر أين هو؟ وقيل وجدت رمته؟ وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، فقال: ذلك رجل نجاه الله بوفاته.

وفي لفظ أنه قال لهم قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم: يا بني قريظة لقد رأيت عبرا، رأيت دار إخواننا يعني بني النضير خالية بعد ذلك العز والخلد والشرف والرأي الفاضل والعقل، تركوا أموالهم قد تملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذل، لا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط ولله بهم حاجة. وقد أوقع ببني قينقاع، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونخوة، فلم يخرج أحد منهم رأسه حتى سباهم، فكلم فيهم فتركهم على إجلائهم من يثرب، يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا فو الله إنكم لتعلمون أنه نبي، وقد بشرنا به علماؤنا. ثم لا زال يخوفهم بالحرب والسبي والجلاء، ثم أقبل على كعب بن أسيد، وقال: والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا.

فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم، فقال:

هذا الذي قلت لكم، أي وبعد الحصار قيل أرسلوا بنباش بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسلم لهم نساءهم والذرية. فأرسلوه ثانيا بأنه لا حاجة لهم بشيء من الأموال لا من الحلقة ولا من غيرها، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاد نباش إليهم بذلك اهـ. ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا أبا لبابة أي وهو رفاعة بن المنذر لنستشيره في أمرنا، أي لأنه كان من حلفاء الأوس وبنو قريظة منهم.

وفي لفظ: وكان أبو لبابة مناصحا لهم، لأن ماله وولده وعياله كانت في بني قريظة فأرسله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش: أي أسرع إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه من شدة المحاصرة وتشتيت ما لهم، فرّق لهم وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه: أي إنه الذبح.

أي وفي لفظ: ما ترى، إن محمدا قد أبى أن لا ننزل إلا حكمه، قال. فانزلوا وأومأ إلى حلقه.

ويروى أنهم قالوا له: ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ، فأومأ أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة رضي الله عنه فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله، أي لأن في ذلك تنفيرا لهم عن الانقياد له صلى الله عليه وسلم، ومن ثم أنزل الله فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [الأنفال:

<<  <  ج: ص:  >  >>