ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهم فكتفوا وجعلوا ناحية، وكانوا ستمائة، وقيل سبعمائة وخمسين مقاتلا، وهو الذي تقدم عن حيي بن أخطب.
ولا يخالف هذا ما قيل إنهم كانوا بين الثمانمائة والسبعمائة. وقيل كانوا أربعمائة مقاتل.
ولا يخالف ما قبله، لأنه يجوز أن يكون ما زاد على ذلك كانوا أتباعا لا يعدون، وأخرج النساء والذراري من الحصون وجعلوا ناحية: أي وكانوا ألفا.
واستعمل عليهم عبد الله بن سلام فتواثبت الأوس. وقالوا: يا رسول الله موالينا وحلفاؤنا، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد فعلت، يعنون بني قينقاع، لأنهم كانوا حلفاء الخزرج، ومن الخزرج عبد الله بن أبي ابن سلول. وقد نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كلمه فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فوهبهم له على أن يجلوا كما تقدم، أي فظنت الأوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لهم بني قريظة كما وهب بني قينقاع للخزرج، فلما كلمته الأوس أبي أن يفعل ببني قريظة ما فعل ببني قينقاع. ثم قال لهم: أما ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؛ قالوا بلى، فقال: فذلك إلى سعد بن معاذ، أي وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: اختاروا من شئتم من أصحابي، فاختاروا سعد بن معاذ، أي وهو رضي الله عنه سيد الأوس حينئذ كما تقدم. وقيل إنهم قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة رضي الله عنها، وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لقوم سعد بن معاذ حين أصابه السهم بالخندق، اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قرب، أي لأن رفيدة رضي الله عنها كان لها خيمة في المسجد تداوي فيها الجرحى من الصحابة ممن لم يكن له من يقوم عليه، فأتاه قومه فحملوه على حمار؛ ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون له: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فأحسن فيهم، فقد رأيت ابن أبيّ وما صنع في حلفائه، وهو ساكت، فلما أكثروا عليه، قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فقال بعضهم واقوماه.
فلما انتهى سعد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين وهم حوله جلوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوموا إلى سيدكم» أي زاد في رواية «فأنزلوه» فقال عمر رضي الله عنه: السيد هو الله. وفي رواية «إلى خيركم» أي معاشر المسلمين من المهاجرين والأنصار، أو معاشر الأنصار، فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم. وفي رواية: فقمنا صفين يحييه كل رجل