أقول في الإمتاع: وجاء سعد بن عبادة، والحباب بن المنذر. فقالا: يا رسول الله إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ما كرهه أحد من الأوس فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه الله، فقام أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله لا تبق دارا من دور الأوس إلا فرقتهم فيها، ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم هذا كلامه. والضمير في قتلوهم ظاهر في رجوعه للأوس، وأنهم المراد بالأنصار.
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون المراد بالأوس الذين كرهوا ذلك طائفة منهم، وأن تلك الطائفة قتلوا من بعث به إلى دورهم، وما عدا ذلك تعاطى قتله عليّ والزبير والله أعلم.
ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة أخرجت من بين النساء يقال لها نباتة، وقيل مزنة، كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد رضي الله عنه فقتلته بإرشاد زوجها، لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوّجها غيره.
وقد أسهم صلى الله عليه وسلم لخلاد بن سويد هذا، وقال: إن له أجر شهيدين، وأسهم لسنان بن محصن، وقد مات في زمن الحصار.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لم يقتل من نسائهم يعني بني قريظة إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا، أي وكانت جارية حلوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجلها في السوق، أي لأنها دخلت على عائشة، وبنو قريظة يقتلون. إذ هتف هاتف باسمها أين نباتة، قالت: أنا والله؛ قالت عائشة:
فقلت لها، ويلك ما لك؟ قالت: أقتل قلت: ولم؟ قالت: لحدث أحدثته، أي وفي لفظ قتلني زوجي. فقالت لها عائشة: كيف قتلك زوجك، قالت: أمرني أن ألقي رحى على أصحاب محمد كانوا تحت الحصن مستظلين في فيئة، فأدركت خلاد بن سويد فشدخت رأسه فمات وأنا أقتل به.
وفي لفظ آخر: إني كنت زوجة رجل من بني قريظة، وكان بيني وبينه كأشد ما يتحاب الزوجان، فلما اشتد أمر المحاصرة، قلت لزوجي: يا حسرتي على أيام الوصال، كادت أن تنقضي وتتبدل بليالي الفراق وما أصنع بالحياة بعدك؟ فقال زوجي: إنك صادقة في دعوى المحبة، تعالى فإن جماعة من المسلمين جالسون في ظل حصن. قال الزبير بن بطا وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة فألقي عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله، فإن ظفروا بنا فإنهم يقتلونك بذلك ففعلت، قالت: فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: والله ما ألقى عجبا منها، طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل.