عنه ما تقدم لظنه أن ذلك هو جميع اللقاح التي أخذت، ثم تحقق أن الذي استنقذه هو وأبو قتادة جملة منها، وما في البخاري من قوله «واستنقذوا اللقاح كلها» يجوز أن يكون قائل ذلك ظن أن الذي استنقذ من أيدي القوم هو جميع ما أخذوه من اللقاح، كما أن سلمة رضي الله عنه اعتقد أن جميع اللقاح التي أخذت هي التي جعلها خلف ظهره كما تقدم فكل من سلمة وأبي قتادة خلف نصف اللقاح التي هي العشرة التي خلصت من أيدي القوم.
وفي رواية عن سلمة قال «قلت يا رسول الله ابعث معي فوارس لندرك القوم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ضحك صلى الله عليه وسلم: ملكت فأسجح» أي فارفق، والمعنى قدرت فاعف، وإنما كانوا عطاشا لأن سلمة رضي الله عنه ذكر أنه تبعهم إلى قبيل غروب الشمس، إلى أن عدلوا إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد، فنحاهم: أي طردهم عنه ومنعهم الشرب منه، وتركوا فرسين وجاء بهما سلمة رضي الله عنه يسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا كان من سلمة رضي الله عنه بعد أن رجعت الصحابة عنهم واستمر يتبعهم، وقال له صلى الله عليه وسلم شخص: يا رسول الله القوم الآن يغبقون بأرض غطفان، أي يشربون اللبن بالعشي الذي هو الغبوق، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابا، ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحل المذكور لم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث يوما وليلة، أي وعن سلمة رضي الله عنه: وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو صلى الله عليه وسلم قد أخذ كلّ شيء استنقذته منهم، ونحر لهم بلال رضي الله عنه ناقته.
ولا مخالفة، لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الماء بعد أن كان مكثه بالجبل المذكور، وصلى صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، أي الخوف أن العدو يجيء إليهم، ولعل هذه هي صلاة بطن نخل، وهي على ما رواه الشيخان «أنه جعل القوم فرقتين، وصلاها مرتين كل مرة بفرقة والأخرى تحرس» أي تكون في وجه العدو، أي في المحل الذي يظن مجيئهم منه، وذلك كان لغير جهة القبلة، وإلا فالعدو لم يكن يمر أي منهم وهذه الصلاة لم ينزل بها القرآن.
أقول: لكن رأيت في الإمتاع «وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف، فقام إلى القبلة، وصفّ طائفة خلفه وطائفة مواجهة العدو، وصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم، وأقبل الآخرون، فصلى بهم ركعة وسجد سجدتين وسلم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة» ولا يخفى أن هذه الكيفية هي صلاة عسفان، والله أعلم.