للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عني إلى الليل ما انصرفت حتى تنقضي حاجتها.

قيل وفي هذه السنة التي هي سنة ست حرمت الخمر، وبه جزم الحافظ الدمياطي، وقيل حرمت سنة أربع، أي ويدل له ما تقدم من اراقة الخمر وكسر جررها في بني قريظة، وقيل في السنة الثالثة، وقيل إنما حرمت في عام الفتح قبل الفتح.

قال بعضهم: حرمت ثلاث مرات: أي نزل تحريمها ثلاث مرات كان المسلمون يشربونها حلالا، أي لغيره صلى الله عليه وسلم، أما هو فحرمت عليه قبل البعثة بعشرين سنة، فلم تبح له قط.

وقد جاء «أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأصنام شرب الخمر» وتقدم أن جماعة حرموها على أنفسهم وامتنعوا من شربها، ولا زالت حلالا للناس حتى نزل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:

الآية ٢١٩] فعند ذلك اجتنبها قوم لوجود الإثم وتعاطاها آخرون لوجود النفع، أي وكانوا ربما شربوها وصلوا، فلما نزل قوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النّساء: الآية ٤٣] امتنع من كان يشربها لأجل النفع من شربها في أوقات الصلاة، ورجع قوم منهم عن شربها حتى في غير أوقات الصلاة، وقالوا: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة.

وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن علي كرم الله وجهه، قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما: أي وشرابا من الخمر، فأكلنا وشربنا، فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة: أي الجهرية، وقدموني فقرأت قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) [الكافرون: الآية ١، ٢] ونحن نعبد ما تعبدون، إلى أن قلت:

وليس لي دين وليس لكم دين. ثم نزلت الآية الأخرى الدالة على تحريمها مطلقا وهي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: الآية ٩٠] إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: الآية ٩١] أي ولعل هذه الآية الأخيرة هي التي عناها أنس رضي الله عنه بقوله كما في البخاري: كنت ساقي القوم الخمر بمنزل أبي طلحة، أي وهو زوج أمه رضي الله عنهم، ونزل تحريم الخمر، فمرّ مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال:

فخرجت، فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، فقال بعض القوم: قتل قوم: أي في أحد وهي في بطونهم. وفي رواية قالوا: يا رسول الله كيف بمن مات من أصحابنا، وكان شربها، فأنزل الله تعالى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا [المائدة: الآية ٩٣] أي لأن ذلك كان قبل تحريمها مطلقا.

وقد جيء لعمر رضي الله عنه بشخص من المهاجرين الأوّلين قد سكر، فأراد عمر جلده فاستدل على عمر بهذه الآية، فقال عمر لمن حضره ألا تردون عليه، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>