أيديهم، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «ارفعوا أيديكم» ويدل له ما يأتي عن الإمتاع. وفي الأصل أنها أهدتها لصفية رضي الله تعالى عنها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت إليهما تلك الشاة، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف، وفي رواية الذراع، فانتهش منه قطعة فلاكها ثم ألقاها: أي ولم يبتلعها، أي وانتهش من الشاة بشر قطعة فابتلعها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناول شيء منها وقال إن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها، فقال بشر: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك فيما أكلته، فما منعني من لفظه إلا أني أعظمت أن أنغصك طعاما، فلم يقم بشر رضي الله تعالى عنه من مكانه حتى كان لا يتحول إلا إن حوّل، وإلى هذا أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله رحمه الله:
وأحييت عضو الشاة بعد مماتها ... فجاء بنطق موضح للنصيحة
وقال رسول الله لا تك آكلي ... فزينب سامتني الهوان وسمّت
وهذا يؤيد القول بأن كلام نحو الجماد يكون بعد أن يخلق الله فيه الحياة.
ومذهب الأشعري رحمه الله أن الله يخلق في نحو الجماد حروفا وصوتا يحدث ذلك فيه، أي وليس من لازم ذلك وجود الحياة.
واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله، أي حجمه أبو طيبة مولى بني بياضة وقيل أبو هند وهو مولى بني بياضة أيضا، أي وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم أي وهم كما في الإمتاع ثلاثة نفر، وضعوا أيديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا. وفيه أنه لا معنى لاحتجام أصحابه إذا لم يأكلوا شيئا، ومن ثم قال في سفر السعادة:
واحتجم صلى الله عليه وسلم بين الكتفين في ثلاثة مواضع، وأمر من أكل أي من أراد أن يأكل معه بذلك، إلا أن يقال مجرد وضع اليد ربما سري بسببه السم إلى باقي الجسد، وقال صلى الله عليه وسلم «الحجامة في الرأس هي المعينة، أمرني بها جبريل عليه السلام حين أكلت طعام اليهودية» .
وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذه الواقعة مرارا في محالّ مختلفة، فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم احتجم على الأخدعين مرتين، واحتجم وسط رأسه الشريف، وكان يسميها منقذة أي وذلك لما سحر.
ففي «سفر السعادة» : لما سحره اليهودي ووصل المرض إلى الذات المقدسة النبوية أمر صلى الله عليه وسلم بالحجامة على قبة رأسه المباركة. واستعمال الحجامة في كل متضرر بالسحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة، ومن لاحظ له في الدين والإيمان يستشكل هذا العلاج هذا كلامه.
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس وهو يحتجم في القمحذوة، فقال: يا بن أبي