شرطت عليهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لا أدخل عليهم بسلاح، فقال مكرز: هو الذي تعرف به البرّ والوفاء، ثم رجع مكرز إلى مكة سريعا وقال: إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم انتهى.
فلما اتصل خروجه لقريش خرج كبراؤهم من مكة حتى لا يروه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت وهو وأصحابه عداوة وبغضا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، أي راكبا ناقته القصواء وأصحابه محدقون به، قد توشحوا السيوف يلبون، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وهي ثنية كداء بالمد، أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال: اللهم لا تجعل منيتنا بها، يقول ذلك من حين يدخل حتى يخرج منها، أي وجعل صلى الله عليه وسلم في بطن ناجح، موضع قريب من الحرم، وتخلف عنده جمع من المسلمين؛ أي نحو مائتين من أصحابه عليهم أوس بن خولى، وقعد جمع من المشركين بجبل قينقاع ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت، وقد قالوا: أي كفار قريش: إن المهاجرين أوهنتهم: أي أضعفتهم حمى يثرب. وفي لفظ قالوا: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة فأمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، أي ليروا المشركين أن لهم قوة: أي فعند ذلك قال المشركين؛ أي قال بعضهم لبعض: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهمتهم، هؤلاء أجلد من كذا، إنهم لينفرون: أي يثبون نفر الظبي: أي الغزال، وإنما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم، واضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه وكشف عضده اليمنى ففعلت الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذلك، وهذا أوّل رمل واضطباع في الإسلام.
وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة أيام، فلما تمت الثلاثة التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنهما- فإنهما أسلما بعد ذلك- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرانه بالخروج هو وأصحابه من مكة، فقالوا:
نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه منها، وكان صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها؛ أي وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي أخت أم الفضل زوج العباس رضي الله عنهما، وأخت أسماء بنت عميس لأمها زوج حمزة رضي الله تعالى عنه، وكان تزوجه صلى الله عليه وسلم ميمونة قبل أن يحرم بالعمرة، وقيل بعد أن أحلّ منها، وقيل وهو محرم، أي وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ورواه الدارقطني من طريق ضعيف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فإنه صلى الله عليه وسلم كان قد بعث إليها جعفرا رضي الله عنه ليخطبها، ولما انتهت إليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت