فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا سعد لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا، وأسكت الفريقين. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا رافع رضي الله تعالى عنه أن ينادي بالرحيل ولا يمسي بها أحد من المسلمين وخلف أبا رافع ليأتي له بميمونة حين يمسي، فخرج بها، ولقيت ميمونة رضي الله تعالى عنها من سفهاء مكة عناء.
فعن أبي رافع رضي الله تعالى عنه: لقينا عناء من أهل مكة من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولميمونة، فقلت لهم: ما شئتم، هذه والله الخيل والسلاح ببطن ناجح وأنتم تريدون نقض العهد والمدة، فولوا راجعين منكسين، وأقام صلى الله عليه وسلم بسرف بكسر الراء: وهو محل بين مساجد عائشة وبطن مرو، وهو أقرب إلى مساجد عائشة، وفيه دخل صلى الله عليه وسلم بميمونة: أي تحت شجرة هناك، وكان محل موتها ودفنها، دفنت فيه بعد ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بأنها لا تموت بمكة، فلما ثقل عليها المرض وهي بمكة قالت: أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بذلك، فحملوها حتى أتوا بها ذلك الموضع فماتت به ودفنت به، أي وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من توفي من أزواجه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن.
وحين دخوله صلى الله عليه وسلم مكة أخذ عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه بغرزه: أي ركابه صلى الله عليه وسلم أي وقيل بزمام الناقة، وهو رضي الله تعالى عنه وعنا وعن المسلمين يقول من أبيات:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكلّ الخير في رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله ... بأن خير القتل في سبيله
فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
وفي لفظ:
نحن قتلناكم على تأويله ... كما قتلناكم على تنزيله
وما قيل:
نحن قتلناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... أو يذهل الخليل عن خليله
قال عمار بن ياسر يوم صفين: لا يمنع أن يكون ذلك من كلام ابن رواحة رضي الله تعالى عنه وتمثل به عمار رضي الله تعالى عنه.
أي وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعليّ يقاتل على تأويله، فقال فيه الدارقطني رحمه الله تفرد به بعض الرافضة.