كانت هذ الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان. وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل عظيم الروم بالشام، أي فلما نزل مؤتة تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، أي وهو من أمراء قيصر على الشام، فقال: أين تريد، لعلك من رسل محمد؟ قال نعم، فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فلما بلغ رسول الله ذلك اشتدّ الأمر عليه، فجهز جمعا من أصحابه وعدّتهم ثلاثة آلاف وبثعهم إلى مقاتلة ملك الروم، وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس» .
قال: وفي رواية «فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم» وقد حضر ذلك المجلس رجل من يهود فقال: يا أبا القاسم إن كنت نبيا يصاب جميع من ذكرت لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من بني إسرائيل كان الواحد منهم إذا استعمل رجلا على القوم وقال إن أصيب فلان لا بد أن يصاب، أي ولو عدّ مائة أصيبوا جميعا، ثم صار يقول لزيد: اعهد فلن ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا، وزيد يقول أشهد أنه نبي، وعقد صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه لزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ويدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم.
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا مؤتة فغشيتهم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة انتهى.
وودعهم الناس وقالوا لهم: صحبكم الله، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين.
قال: ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف فقال:
أي بعد قوله «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأة، ولا صغيرا ولا بصيرا فانيا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تهدموة بناء» انتهى، وقال لهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردكم غانمين، فمضوا حتى نزلوا من أرض الشام؛ فبلغهم أن هرقل ملك الروم في مائة ألف من الروم وانضم إليه من قبائل العرب أي المنتصرة: أي من بني بكر ولخم وجذام مائة ألف.
وفي رواية: كانوا مائتي ألف من الروم وخمسين ألفا من العرب ومعهم من الخيول والسلاح ما ليس مع المسلمين وكان المسلمون ثلاثة آلاف كما مر، فلما بلغهم ذلك أقاموا في ذلك المحل ليلتين ينظرون في أمرهم. هل يبعثون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد عدوهم؟ فإما أن يمدهم برجال، أو يأمرهم بأمر فيمضوا إليه، فشجعهم