أقول: وهذا هو الموافق لما اشتهر أن جده سماه محمدا بإلهام من الله تعالى تفاؤلا بأن يكثر حمد الخلق له، لكثرة خصاله الحميدة التي يحمد عليها، ولذلك كان أبلغ من محمود وإلى ذلك يشير حسان رضي الله عنه بقول:
فشق له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وهذا الإلهام لا ينافي أن تكون أمه قالت له إنها أمرت أن تسميه بذلك، وقد حقق الله رجاءه بأنه صلى الله عليه وسلم تكاملت فيه الخصال المحمودة والخلال المحبوبة فتكاملت له صلى الله عليه وسلم المحبة من الخالق والخليقة، فظهر معنى اسمه على الحقيقة.
وفي الخصائص الصغرى: وخص صلى الله عليه وسلم باشتقاق اسمه من اسم الله تعالى وبأنه صلى الله عليه وسلم سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله، ولإفادته الكثرة في معناه، لأنه لا يقال إلا لمن حمد المرة بعد المرة، لما يوجد فيه من المحاسن والمناقب.
ادّعى بعضهم أنه من صيغ المبالغة: أي الصيغ المفيدة للمبالغة بالمعنى المذكور استعمالا لا وضعا لأن الصيغ الموضوعة لإفادة المبالغة منحصرة في الصيغ الخمسة وليس هذا منها.
وهذا السياق يدل على أن تسميته صلى الله عليه وسلم بذلك كانت في يوم العقيقة، وأن العقيقة كانت في اليوم السابع من ولادته، وتقدم: ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا، وهو يدل على أن تسميته صلى الله عليه وسلم بذلك كانت في ليلة ولادته أو يومها.
وقد يقال: لا منافاة، لأنه يجوز أن يكون قوله هنا: وسماه محمدا، معناه أظهر تسميته بذلك لعموم الناس، وهذا التعليل للتسمية بهذا الاسم يرشد إلى ما قيل: اقتضت الحكمة أن يكون بين الاسم والمسمى تناسب في الحسن والقبح واللطافة والكثافة، ومن ثم غير صلى الله عليه وسلم الاسم القبيح بالحسن وهو كثير، وربما غير الاسم الحسن بالقبيح للمعنى المذكور كتسميته لأبي الحكم بأبي جهل، وتسميته لأبي عامر الراهب بالفاسق.
وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه ادع لي إنسانا يحلب ناقتي، فجاءه بإنسان، فقال له ما اسمك؟ فقال له حرب، فقال اذهب. فجاءه بآخر فقال: ما اسمك؟ فقال يعيش، فقال احلبها» .
ويروى «أنه صلى الله عليه وسلم طلب شخصا يحفر له بئرا، فجاءه رجل، فقال له ما اسمك؟
قال مرة، فال اذهب» وليس هذا من الطيرة التي كرهها ونهى عنها، وإنما هو من كراهة الاسم القبيح، ومن ثم كان صلى الله عليه وسلم يكتب لامرائه «إذا أبردتم لي بريدا فأبردوه» أي إذا أرسلتم لي رسولا فأرسلوه «حسن الاسم حسن الوجه» ومن ثم لما قال له سيدنا عمر رضي الله عنه لما قال لمن أراد أن يحلب له ناقته أو يحفر له البئر ما تقدم «لا