وفي الإمتاع: لما مات قثم بن عبد المطلب قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين وهو ابن تسع سنين وجد عليه وجدا شديدا، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه قثم حتى أخبرته أمه آمنة أنها أمرت في منامها أن تسميه محمدا، فسماه محمدا: أي ولا مخالفة بين هذه الروايات على تقدير صحتها كما لا يخفى، لأنه يجوز أن يكون نسي تلك الرؤية ثم تذكرها، ويكون معنى سؤاله: ما حملك على أن تسميه محمدا وليس من أسماء قومك؟ أي لم استقر أمرك على أن تسميه محمدا؟
وذكر بعضهم أنه لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم: يعني محمدا قبله إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين وفدوا على بعض الملوك وكان عنده علم من الكتاب الأول، وأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم: أي بالحجاز وبقرب زمنه وباسمه المذكور الذي هو محمد، وهو يدل على أن اسمه في بعض الكتب القديمة محمد، وكان كل واحد منهم قد خلف زوجته حاملا فنذر كل واحد منهم إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا، ففعلوا ذلك.
وفي الشفاء أن في هذين الاسمين محمد وأحمد من بدائع آياته: أي المصطفى وعجائب خصائصه أن الله تعالى حماهما عن أن يسمى بهما أحد قبل زمانه: أي قبل شيوع وجوده. أما أحمد الذي أتى في الكتب القديمة وبشرت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمنع الله تعالى بحكمته أن يتسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله منذ خلقت الدنيا وفي حياته. زاد الزين العراقي: ولا في زمن أصحابه رضي الله تعالى عنهم حتى لا يدخل لبس أو شك على ضعيف القلب: أي فالتسمية به من خصائصه صلى الله عليه وسلم على جميع الناس ممن تقدمه، خلافا لما يوهمه كلام الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى أنه من خصائصه على الأنبياء فقط.
ومن ثم ذهب بعضهم إلى أفضليته على محمد. وقال الصلاح الصفدي: إنّ أحمد أبلغ من محمد، كما أن أحمر وأصفر أبلغ من محمر ومصفر، ولعله لكونه منقولا عن أفعل التفضيل، لأنه صلى الله عليه وسلم أحمد الحامدين لرب العالمين، لأنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله.
وفي الهدى: لو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى أن يسمى الحماد كما سميت بذلك أمته، وأما هذا فهو الذي يحمده أهل السماء والأرض وأهل الدنيا والآخرة، لكثرة خصاله المحمودة التي تزيد على عد العادين وإحصاء المحصين: أي أحق الناس وأولاهم بأن يحمد، فهو كمحمد في المعنى، فهو مأخوذ من الفعل الواقع على المفعول لا الواقع من الفاعل. وحينئذ فالفرق بين محمد وأحمد أن محمدا من كثر حمد الناس له، وأحمد من يكون حمد الناس له أفضل من حمد غيره، وسيأتي عن الشفاء أنه أحمد المحمودين، وأحمد الحامدين، فيجوز أن