الله هل عسيت إن نحن نصرناك وأظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم والهدم.
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أبي سرح، لأنه كان أسلم قبل الفتح، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما، وإذا أملى عليه حكيما كتب غفورا رحيما، وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال: إن محمدا لا يعلم ما يقول، فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتدّ وهرب إلى مكة. وقيل إنه لما كتب: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)[المؤمنون: الآية ١٢] إلى قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون:
الآية ١٤] تعجب من تفصيل خلق الإنسان فنطق بقوله: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: الآية ١٤] قبل إملائه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب ذلك، هكذا أنزلت، فقال عبد الله: إن محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ، فارتد ولحق بمكة، فقال لقريش:
إني كنت أصرف محمدا كيف شئت كان يملي عليّ عزيز حكيم. فأقول أو عليم حكيم، فيقول نعم كل صواب، وكل ما أقوله يقول اكتب، هكذا نزلت، فلما كان يوم الفتح وعلم بإهدار النبي صلى الله عليه وسلم دمه لجأ إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة، فقال له: يا أخي استأمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يضرب عنقي، فغيبه عثمان رضي الله عنه حتى هدأ الناس واطمأنوا، فاستأمن له، ثم أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار عثمان رضي الله عنه يقول: يا رسول الله أمنته والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ثم قال: نعم، فبسط يده فبايعه، فلما خرج عثمان وعبد الله قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله: أعرضت عنه مرارا، ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه، وقال صلى الله عليه وسلم لعباد بن بشر وكان نذر إن رأى عبد الله قتله، أي وقد أخذ بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن يقتله، فقال له صلى الله عليه وسلم:«انتظرتك أن تفي بنذرك» ، قال: يا رسول الله خفتك، أفلا أومضت إليّ، فقال «إنه ليس لنبي أن يومض» . وفي رواية:«الإيماء خيانة ليس لنبي أن يومي» . وفي رواية:«لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» أي وهذا يدل على أن خائنة الأعين الإيماء بالعيون: أي أن يومي بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وهو اللمز هذا.
وقيل إنه أسلم وبايع والنبي صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران، وصار يستحي من مقابلته صلى الله عليه وسلم فقال لعثمان: أما بايعته وأمنته؟ قال بلى، ولكن يذكر جرمه القديم فيستحي منك، قال:«الإسلام يجبّ ما قبله» وأخبره عثمان رضي الله عنه بذلك، ومع ذلك فصار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء إليه منفردا.
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل لأنه كان ممن أسلم: أي قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم، وكان اسمه عبد العزى، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة، وأرسل معه رجلا من الأنصار يخدمه. وفي لفظ: كان معه مولى