الفتح: «هذا ما وعدني ربي، ثم قرأ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)[النّصر: الآية ١] انتهى وقد أشار إلى ذلك صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله:
واستجابت له بنصر وفتح ... بعد ذلك الخضراء والغبراء
وتوالت للمصطفى الآية الكب ... رى عليهم والغارة الشعواء
فإذا ما تلا كتابا من الله ... تلته كتيبة خضراء
أي أجاب دعوته صلى الله عليه وسلم الرفيع والوضيع، وعن الأول كنى بالخضراء التي هي السماء. فقد جاء حديث سنده واه «السماء الدنيا زمردة خضراء، وذكر أنها أشد بياضا من اللبن وخضرتها من صخرة خضراء تحت الأرض» وكنى عن الثاني بالغبراء التي هي الأرض، وإنما كانت غبراء لأن جميع طبقاتها من طين، مع حصول نصر له صلى الله عليه وسلم على أعاديه، وفتح لبلادهم بعد ذلك الضعف الذي كان به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، وقلتهم وكثرة عدوهم مع التصميم على أذيتهم. وتتابعت العلامات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وتوالت له عليهم الإغارة المحيطة بهم من سائر الجوانب.
وجاء: «أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه دعا عثمان بن طلحة رضي الله تعالى عنه، فإنه كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص قبل الفتح وأسلموا كما تقدم، واستمر في المدينة إلى أن جاء معه صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة، وبه يردّ ما روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليّا كرم الله وجهه إلى عثمان بن طلحة لأخذ المفتاح فأبى أن يدفعه له وقال: لو علمت إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه، ولوى عليّ كرم الله وجهه يده وأخذ المفتاح منه قهرا وفتح الباب وأنه لما نزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الآية ٥٨] أمره صلى الله عليه وسلم أن يدفع له المفتاح متلطفا به، فجاءه علي كرم الله وجهه بالمفتاح متلطفا به، فقال له: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق، فقال علي كرّم الله وجهه: لأن الله أمرنا برده عليك فأسلم.
ثم لما دعا صلى الله عليه وسلم عثمان وجاء إليه أخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها، ثم وقف صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم خطبة بين فيها جملة من الأحكام. منها «أن لا يقتل مسلم بكافر، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث ليال إلا مع ذي محرم. ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح، ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر، ثم قال: يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، والناس من آدم وآدم من تراب. ثم تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ