الكعبة: والله لا نحب من قتل الأحبة، ولقد جاء لأبي الذي جاء لمحمد من النبوة فردها، ولم يرد خلاف قومه.
وعن الحارث بن هشام قال:«لما أجارتني أم هانىء، وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها فصار لا أحد يتعرض لي، وكنت أخشى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فمر عليّ وأنا جالس، فلم يتعرض لي، وكنت أستحي أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذكر برؤيته إياي في كل موطن مع المشركين، فلقيته وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته فسلمت عليه وشهدت شهادة الحق، فقال: الحمد لله الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإسلام» .
وجاءه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح السائب بن عبد الله المخزومي، أي وقيل عبد الله بن السائب بن أبي السائب، وقيل السائب بن عويمر، وقيل قيس بن السائب بن عويمر.
قال في الاستيعاب: وهذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى، وكان شريكا له صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فقال: فأخذ عثمان وغيره يثنون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: لا تعلموني به، كان صاحبي. وفي لفظ: لما أقبلت عليه قال: مرحبا بأخي وشريكي. كان لا يداري، ولا يماري، قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك: أي لتوقف صحتها على الإسلام، وهي الأعمال المتوقفة على النية التي شرطها الإسلام وهي اليوم تتقبل منك، أي لوجود الإسلام.
وأرسل سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه ولده عبد الله ليأخذ له أمانا منه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أبي تؤمنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم هو آمن بالله فليظهر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله:«من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد إليه النظر، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل يجهل الإسلام» فخرج ابنه عبد الله إليه فأخبره بقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سهيل: كان والله برا صغيرا برا كبيرا، فكان سهيل رضي الله تعالى عنه يقبل ويدبر، وخرج إلى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شركه حتى أسلم بالجعرّانة.
وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح حدّث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح. قال: فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال يا فضالة، قال فضالة: نعم يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة رضي الله تعالى عنه يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه.
قال: ولما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر مسندا ظهره الشريف إلى الكعبة.