للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الخطابي أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال: «أنا ابن عبد المطلب» على سبيل الافتخار، ولكن ذكرهم صلى الله عليه وسلم بذلك رؤيا كان رآها عبد المطلب أيام حياته، وكانت القصة مشهورة عندهم فعرّفهم بها وذكرهم إياها، وهي إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.

ثم نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته. وقيل لم ينزل بل قال: يا عباس ناولني من الحصباء فانخفضت به بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض، ثم قبض قبضة من تراب قال بعضهم: كأنّ الله أفقه: أي أفهم البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم: أي علمت مراده.

وفي رواية كما تقدم أنه قال لها: يا دلدل البدي، فلبدت: أي انخفضت. وفي رواية قال: اربضي دلدل فربضت. وقيل ناوله العباس ذلك. وقيل ناوله عليّ. وقيل ابن مسعود رضي الله عنهم. فعنه حادت به بغلته، فمال السرج. فقلت: ارتفع رفعك الله، فقال ناولني كفا من تراب فناولته، ثم استقبل بها وجوههم فقال: «شاهت الوجوه» أي وفي رواية قال: «حم لا ينصروني» وفي رواية: «جمع بينهما فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأت عينيه وفمه ترابا تلك القبضة وقال انهزموا ورب محمد فولوا مدبرين» أي وقال بعضهم: ما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا.

وحدث رجل كان من المشركين يوم حنين قال: «لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلبة شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم ونحن في آثارهم، إذ صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان الوجوه وقالوا: شاهت الوجوه ارجعوا» فانهزمنا من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت إياها، وإلى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله:

ورمى بالحصى فأقصد جيشا ... ما العصا عنده وما الإلقاء

أي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصى فأهلك ذلك الجيش العظيم، أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى؟ وأي شيء إلقاء موسى عليه السلام لتلك العصا عند إلقاء ذلك الحصى؟ شتان ما بينهما فلا يقاس هذا بذلك لأن هذا أعظم، لأن انقلاب العصا حية كان مشابها لانقلاب حبالهم وعصيهم حيات، ولأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شملهم، بل زاد بعدها طغيانهم وعتوهم على موسى عليه السلام، بخلاف هذا الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله.

أي وذكر أنه عند القتال أنزل الله تعالى قوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة: الآية ٢٥] إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:

الآية ٥٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>