سهيل بن عمرو: والله إن عهدك بخلافه لحديث، فقال له: يا أبا يزيد إنا كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجرا لا يضر ولا ينفع.
وعن شيبة الحجبي رضي الله عنه: أي حاجب البيت ويقال لبنيه بنو شيبة، وهم حجبة البيت كما تقدم أنه كان يحدث عن سبب إسلامه، قال: ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ولما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وسار إلى حرب هوازن، قلت: أسير من قريش إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأقتله، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها: أي ولفظ: «اليوم أدرك ثأري من محمد» أي لأن أباه وعمه قتلا يوم أحد قتلهما حمزة رضي الله عنه كما تقدم.
أقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته، لا يزداد ذلك الأمر عندي إلا شدة، فلما اختلط الناس ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته أصلتّ السيف ودنوت منه أريد الذي أريد منه، ورفعت السيف حتى كدت أوقع به الفعل رفع إليّ شواظ من نار كالبرق كاد يهلكني، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه.
وفي رواية: لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد، فناداني صلى الله عليه وسلم:«يا شيبة ادن مني» ، فدنوت منه فالتفت إلي وتبسم وعرف الذي أريد منه، فمسح صدري، ثم قال:«اللهم أعذه من الشيطان» ، قال شيبة: فو الله لهو كان الساعة إذا أحب إليّ من سمعي وبصري ونفسي، واذهب الله ما كان فيّ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ادن فقاتل، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم إني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه، حتى تراجع المسلمون وكروا كرة واحدة، وقربت إليه صلى الله عليه وسلم بغلته، فاستوى عليها قائما، وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه: أي لا يلوي أحد منهم على أحد، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه، واتبعتهم المسلمون يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قتل قتيلا فله سلبه» وفي رواية: «من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه» .
وفي الأصل في غزوة بدر أن المشهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قتل قتيلا فله سلبه» إنما كان يوم حنين. وأما ما روي أنه قال ذلك يوم بدر ويوم أحد فأكثر ما يوجد في رواية من لا يحتج به، ومن ثم قال الإمام مالك رضي الله عنه: لم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا يوم حنين.
وتعقب ما في الأصل بأنه وقع ذلك في غزوة مؤتة كما في مسلم وهي قبل الفتح.