لي ذنبا فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل، فلما دنا أبو خيثمة قال الناس: هذا ركب مقبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة. فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير: أي وأولى لك كلمة تهديد وتوعد.
ولما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود سجى ثوبه على رأسه واستحث راحلته، وقال:«لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم» ، أي لأن البكاء يتبعه التفكر والاعتبار، فكأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله عز وجل على أولئك بالكفر، مع تمكينه لهم في الأرض، وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه يقلب القلوب، فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك «ونهى صلى الله عليه وسلم الناس أن يشربوا من مائها شيئا، وأن لا يتوضؤوا به للصلاة، وأن لا يعجن به عجين وأن لا يحاس به حيس، ولا يطبخ به طعام، وأن العجين الذي عجن به أو الحيس الذي فعل به يعلفونه الإبل، وأن الطبيخ الذي طبخ به يلقى ولا يأكلوا منه شيئا» .
ثم ارتحل بالناس: أي لا زال سائرا حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، وأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها تهب عليهم الليلة ريح شديدة، أي وقال: من كان له بعير فليشد عقاله، ونهى الناس في تلك الليلة عن أن يخرج واحد منهم وحده بل معه صاحبه، فخرج شخص وحده لحاجته فخنق، وخرج آخر كذلك في طلب بعير له ندّ فاحتمله الريح حتى ألقته بجبل طيىء، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم أنهكم أن يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه، ثم دعا للذي خنق فشفي، والذي ألقته الريح بجبل طيىء له صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
وفي سيرة الحافظ الدمياطي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس. واستعمل على العسكر عباد بن بشر، فكان يطوف في أصحابه على العسكر. ثم أصبح الناس ولا ماء معهم: أي وحصل لهم من العطش ما كاد يقطع رقابهم، حتى حملهم ذلك على نحر إبلهم ليشقوا أكراشها ويشربوا ماءها.
فعن عمر رضي الله عنه: خرجنا في حرّ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. وفي لفظ:
على صدره، فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، أي قال له أبو بكر: يا رسول الله قد عوّدك الله من الدعاء خيرا فادع الله لنا، قال أتحب ذلك؟ قال نعم، فدعا، أي ورفع يديه فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون