واستشكل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا» وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد قالت له «أتنام قبل أن توتر؟ قال: تنام عيني ولا ينام قلبي» .
وأجيب عنه بأجوبة أحسنها أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ولا يدرك ما يتعلق بالعين كرؤية الشمس وطلوع الفجر.
ومن الأجوبة أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان: نوم تنام فيه عينه وقلبه، ونوم تنام فيه عينه فقط. وينبغي أن يكون هذا الثاني أغلب أحواله وإن كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم:«نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا» أي غالبا. ويكون هذا حاله دائما وأبدا إذا كان متوضئا، لقولهم: إنه لا ينقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم، وفي جعله العين محلا للنوم نظر، لأن العين إنما هي محل السنة، ومحل النعاس الرأس، ومحل النوم القلب.
قال الحافظ السيوطي: وكون القلب محلا للنوم دون العين لا يشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «تنام عيناي ولا ينام قلبي» ، لأنه من باب المشاكلة، وفيه بحث هذا كلامه.
واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم:«ارتحلوا فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان» وفي لفظ:
«ارتحلوا، فإن هذا واد به شيطان» بأنه يقتضي تسلط الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الظاهر أن وجود الشيطان هو السبب في النوم عن الصلاة.
وأجيب بأنه على تسليم ذلك، فإن تسليطه إنما كان على من كان يحفظ الفجر بلال أو غيره. ففي بعض الروايات كما تقدم:«إن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام» .
ثم لحق صلى الله عليه وسلم بالجيش، وقبل لحوقه صلى الله عليه وسلم بهم قال لأصحابه ما ترون الناس:
يعني الجيش فعلوا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، وذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على الماء فأبوا ذلك عليهما، فنزلا على غير ماء بفلاة من الأرض لا ماء بها عند زوال الشمس وقد كادت أعناق الخيل والركاب تقطع عطشا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أين صاحب الميضأة؟ قيل هو ذا يا رسول الله. قال:
جئني بميضأتك فجاءه بها وفيها شيء من ماء، وفي رواية: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوة فأفرغ ما في الإدواة فيها ووضع أصابعه الشريفة عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم، وكان في العسكر من الخيل اثنا عشر ألف فرس أي على ما تقدم، ومن الإبل خمسة عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، وقيل سبعون ألفا. وواضح أن هذه العطشة غير