ولما رأى صلى الله عليه وسلم جبل أحد قال:«هذا أحد جبل يحبنا ونحبه» وتقدم ما في ذلك في غزوة أحد، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها:«ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تلقاه النساء والصبيان يقلن:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع»
قال البيهقي رحمه الله: وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة لا أنه عند مقدمه المدينة من تبوك، هذا كلامه، ولا مانع من تعدد ذلك.
ولما دنا صلى الله عليه وسلم من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا تكلموا رجلا منهم، ولا تجالسوهم حتى آذن لكم، فأعرض عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، حتى أن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه انتهى.
أي وعن فضالة بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا غزوة تبوك جهد الظهر جهدا شديدا حتى صاروا يسوقونه، فشكوا إليه صلى الله عليه وسلم ذلك ورآهم يسوقونه، فوقف صلى الله عليه وسلم في مضيق والناس يمرون فيه فنفخ في الظهر، وقال: اللهم احمل عليها في سبيلك فإنك تحمل على القوي والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر، فزال ما بها من الأعياء، وما دخلنا إلا وهي تنازعنا أزّمتها.
وجاء:«أن حية عارضتهم في الطريق عظيمة الخلقة، فانحاز الناس عنها، فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا إليّ يستمعون القرآن أي بنخلة عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف، وتقدم الكلام عليه فرأى عليه من الحق حين ألمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببلده أن يسلم عليه، وها هو يقرئكم السلام» فقال الناس: وعليه السلام ورحمة الله.
وقد كان تخلف عنه صلى الله عليه وسلم، رهط من المنافقين وكانوا بضعة وثمانين رجلا، وتخلف عنه أيضا كعب بن مالك وكان من الخزرج ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا من الأوس، فأما المنافقون فجعلوا يحلفون ويعتذرون فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله، واستغفر لهم، وأما الثلاثة، فعن كعب بن مالك الخزرجي رضي الله تعالى عنه أنه قال:«لما جئته صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه تبسم تبسم المغضب وقال لي تعال، فجئت حتى جلست بين يديه، فقال: ما خلفك؟ فصدقته، وقلت: والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك» وفي رواية: «قلت: يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت