كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا فوق جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، فخررت ساجدا. وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آذن، أي أعلم بتوبة الله علينا، فلما جاءني الرجل الذي سمعت صوته يبشرني أي وهو حمزة بن عمرو الأوسي نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه، والله لا أملك غيرهما يومئذ: واستعرت أي من أبي قتادة رضي الله عنه ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا: أي جماعة جماعة يهنئوني بالتوبة، يقولون: ليهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة: أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما حين قدم المدينة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال: أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك، قلت: أمن عندك يا رسول الله أم عند الله عز وجل؟ قال: لا بل من عند الله، فقلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، أي وكان المبشر لهلال بن أمية أسعد بن أسد، وكان المبشر لمرارة بن الربيع سلطان بن سلامة أو سلامة بن وقش.
أي وفي البخاري عن كعب رضي الله عنه:«فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة رضي الله عنها محسنة في شأني معينة في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره، قال: إذن يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليل، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر أعلم بتوبة الله علينا وأنزل الله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التّوبة: الآية ١١٧] إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التّوبة: الآية ١١٩] وقال في حق من اعتذر له صلى الله عليه وسلم: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ [التّوبة: الآية ٩٥] إلى قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [التّوبة: الآية ٩٦] .
واستشكل نزول الوحي بالقرآن في بيت أم سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة رضي الله عنها: «ما نزل عليّ الوحي في فراش امرأة غيرها» وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون ما تقدم في حق عائشة كان قبل هذه القصة، أو أن الذي خصت به عائشة رضي الله تعالى عنها نزول الوحي في خصوص الفراش لا في البيت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ