للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفُسَكُمْ [التّوبة: الآية ٣٦] فتعظيم حرمتها باقية لم تنسخ، وإنما نسخ حرمة القتال فيها، خلافا لما نقل عن عطاء من أن حرمة القتال فيها باقية لم تنسخ.

ويدل للثاني ما في الكشاف وكان ذلك اليوم أول يوم من رجب وهم يظنون أنه من جمادى الآخرة، فتردد القوم وهابوا الإقدام، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، ثم أجمع رأيهم على قتل من لم يقدروا على أسره، أي وأخذ ما معهم فقتلوا عمرو بن الحضرمي، رماه واقد بن عبد الله بسهم فهو أول قتيل قتله المسلمون، وأسروا عثمان والحكم فهما أول أسير أسره المسلمون، وأفلت بفتح الهمزة باقي القوم، أي وجاء الخبر لأهل مكة فلم يمكنهم الطلب لدخول شهر رجب، أي بناء على ما تقدم، واستاق عبد الله وأصحابه رضي الله عنهم العير حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول غنيمة غنمها المسلمون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، وأبى أن يستلم العير والأسيرين، فسقط بالبناء للمجهول في أيديهم: أي ندموا وعنفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام؟ سفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، أي وصارت قريش تعير بذلك من مكة من المسلمين، يقولون لهم: يا معشر الصباة قد استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه، وزادوا في التشنيع والتعيير وصارت اليهود تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون القتيل عمرو الحضرمي والقاتل واقد، فيه عمرت بفتح العين المهملة وكسر الميم الحرب: أي حضرت الحرب ووقدت الحرب، فكان ذلك الفأل عليهم لعنهم الله وضاق الأمر على عبد الله وأصحابه رضي الله عنهم، فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة: الآية ٢١٧] أي عظيم الوزر وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: الآية ٢١٧] أي ومنع للناس عن دين الله وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة: الآية ٢١٧] أي بالله وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: الآية ٢١٧] أي ومنع للناس عن مكة وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة: الآية ٢١٧] وهمّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين منه من أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة: الآية ٢١٧] أعظم وزرا وَالْفِتْنَةُ [البقرة: الآية ١٩١] الشرك: أي الذي أنتم عليه، أو حملكم من أسلم على الكفر بالتعذيب له أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:

الآية ٢١٧] لكم فيه: أي صدهم لكم عن المسجد الحرام، وكفرهم بالله وإخراجكم من مكة وأنتم أهلها، وفتنة من أسلم بحيث يرتد عن الإسلام ويرجع إلى الكفر أكبر من قتل من قتلتم منهم، ففرج عن عبد الله وأصحابه رضي الله عنهم، أي وهذا كما ترى يدل على أنهم قتلوا مع علمهم بأن ذلك اليوم من رجب، ويضعف ما تقدم عن الكشاف الموافق لما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أصحاب محمد كانوا يظنون أن ذلك اليوم آخر جمادى، وكان أول رجب ولم يشعروا، أي لأن جمادى يجوز أن يكون ناقصا. وفيه أنه لو كان الأمر كذلك لاعتذر عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>