على باب تلك العلية، فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته، فقالت: من أنتم؟ قالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة.
وفي لفظ: لما صعدوا قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يتكلم بلسان يهود، فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له امرأته وقالت: ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه، فلما دخلوا عليه أغلقوا عليهم وعليها باب الحجرة ووجدوه وهو على فراشه، ما دلهم عليه في الظلمة إلا بياضه كأنه قبطية بيضاء فابتدروه بأسيافهم، ووضع عبد الله بن أنيس رضي الله عنه سيفه في بطنه وتحامل عليه حتى أنفذه وهو يقول قطني قطني: أي يكفيني يكفيني، وعند ذلك صاحت المرأة. قال بعضهم:
ولما صاحت المرأة جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده. قال: وفي رواية أن المرأة لما رأت السلاح أرادت أن تصيح، فأشار إليها بعضنا بالسيف فسكتت، فابتدرناه بأسيافنا وخرجنا من عنده، وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيىء البصر فوقع من الدرجة فوثبت رجله وثبا شديدا، أي جرحت جرحا شديدا. وفي لفظ: قد انكسرت ساقه. وفي آخر فانخلعت رجله فعصبها بعمامته، والجمع بين كسر ساقه وخلع رجله واضح، لأن الانخلاع يكون من المفصل، فقد انكسرت ساقه وانخلعت من مفصلها، ومع الكسر والانخلاع حصلت فيها جراحة أيضا.
وأما قول ابن إسحاق رحمه الله فوثبت يده فقيل وهم والصواب رجله كما تقدم. وفي السيرة الهشامية. فوثبت يده، وقيل رجله.
وقد يقال: لا مانع من حصولهما، قال: فحملناه حتى أتينا محلا استخفينا فيه:
أي وذلك المحل من أفنيتهم التي يلقون فيها كناستهم. وفي لفظ: أنهم كمنوا في نهر من عيونهم حتى سكن الطلب.
وقد يقال: لا مخالفة، لأنهم أوقدوا النيران، وتفرقوا من كل وجه يطلبونهم أي وفي لفظ: فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران حتى إذا أيسوا رجعوا إلى عدوّ الله، فاكتنفوه وهو بينهم يجود بنفسه، فقال بعضنا لبعض:
كيف نعلم أن عدوّ الله مات؟ فقال رجل منهم: أنا ذاهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل في الناس قال: فوجدت امرأته تنظر في وجهه وفي يدها المصباح، ورجال يهود حوله وهي تحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي.
أي وعلى الرواية الآتية أنه أكذبها، ثم أقبلت تنظر في وجهه، ثم قالت فاضت وإله يهود: أي خرجت روحه، فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها، ثم جئت وأخبرت أصحابي، واحتملنا عبد الله بن عتيك، وقدمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.