للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء معاذ رضي الله تعالى عنه، فقال: لا أجده صلى الله عليه وسلم على حال أبدا إلا كنت عليها، ثم قضيت ما سبقني، فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى ما عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد سن لكم معاذ، فكذا فاصنعوا، أي وكان هذا قبل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» .

وأخرج صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه زيدا رضي الله تعالى عنه إلى الحل مع مولى له ليقتله به، واجتمع عند قتله رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فلما قدم للقتل، قال له أبو سفيان رضي الله تعالى عنه: انشدك بالله يا زيدا أتحب محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك، فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني لخالص في أهلي، فقال أبو سفيان رضي الله تعالى عنه: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا، ونقل مثل ذلك عن خبيب رضي الله تعالى عنه، أي فإنهم لما وضعوا السلاح في خبيب رضي الله تعالى عنه وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: لا والله ما أحب أن يؤذى بشوكة في قدمه، ثم قتله ذلك المولى. أي طعنه برمح في صدره حتى أنفذه من ظهره، وقيل رمي بالنبل، وأرادوا فتنته عن دينه، فلم يزدد إلا إيمانا.

ولما قتل عاصم رضي الله تعالى عنه الذي هو أمير هذه السرية على ما تقدم، أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار وكلام بعضهم يقتضي أنها أسلمت بعد، فإن عاصما هذا كما تقدم قتل يوم أحد ولديها كلاهما أشعره سهما، وكل يأتي إليها بعد إصابته بالسهم ويضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بني من أصابك؟ فيقول: سمعت رجلا يقول حين رماني: خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن قدرت على رأسه لتشربن في قحفة الخمر، وجعلت لمن يجيء برأسه مائة ناقة كما تقدم، فحالت الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة: وهي الزنابير بينهم وبين عاصم رضي الله تعالى عنه، كلما قدموا على قحفة طارت في وجوههم ولدغتهم فقالوا: دعوه حتى يمسي فنأخذه، فبعث الله الوادي: أي سال، فاحتمل السيل عاصما فذهب به حيث أراد الله فسمي حمى الدبر وبعث ناس من قريش لما بلغهم قتل عاصم في طلب جسده أو شيء منه يعرفونه: أي ليمثلوا به لأنه قتل عظيما من عظمائهم، قال الحافظ ابن حجر لعله عقبة بن أبي معيط فإن عاصما قتله صبرا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر أي كما تقدم، قال: وكأنّ قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الزنابير لهم عن عاصم، أو شعروا بذلك ورجوا أن الزنابير تركته: أي ولم يشعروا بأن السيل أخذه اه أي وقد كان عاصم رضي الله تعالى عنه دعا الله أن لا يمس مشركا، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>