فعجب المسلمون. قال وقال: يا رسول الله إني خرجت معتمرا، وفي لفظ في الصحيح: فإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فأمره أن يعتمر، فلما قدم بطن مكة لبى، فكان أول من دخل مكة ملبيا، فأخذته قريش، فقالوا: لقد اجترأت علينا، أنت صبوت يا ثمامة. قال: أسلمت وتبعت خير دين محمد، والله لا يصل إليكم حبة من حنطة: أي من اليمامة من أرض اليمن، وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموه ليضربوا عنقه، فقال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة فخلوا سبيله، فخرج ثمامة إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا حتى أضرّبهم الجوع، وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم، فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا. فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الحمل. وفي لفظ: خلّ بين قومي وبين ميرتهم، ففعل، فأنزل الله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ [المؤمنون: الآية ٧٦] الآية.
هذا والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره، فقالوا: يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك، قال: لا أدري ما تقولون، إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم، وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة، ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها. فلما أضرّ بهم ذلك كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضرّ بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلي بيننا وبين ميرتنا فافعل، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن خل بين قومي وبين ميرتهم.
ولما عجب المسلمون من أكله بعد إسلامه رضي الله تعالى عنه، لكونه دون أكله قبل إسلامه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تعجبون؟ أمن رجل أكل أول النهار في معى كافر وأكل آخر النهار في معى مسلم، إن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء، وإن المسلم يأكل في معى واحد اه.
أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم ذلك مع جهجهاه الغفاري رضي الله تعالى عنه فإنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر، ثم أكل معه وقد أسلم فأقل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب، ثم رأيت في الجامع الصغير:«إن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء والمسلم يشرب في معى واحد» والمراد أنه يأكل ويشرب مثل الذي يأكل ويشرب في سبعة أمعاء.