صلى الله عليه وسلم: أي لما سلم وأقبل على الناس وقال: هل سمعتم ما سمعت؟ قالو نعم، قال:
أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من هذا، أي ثم انصرف صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم» أي وفي الصحيحين: «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما» أي أزال خفارته: أي نقض جواره وعهده «فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ثم دخلت عليه صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه، فأجابها إلى ذلك، وقال لها صلى الله عليه وسلم:«أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له» : أي لتحريم نكاح المؤمنات على المشركين أي كما تقدم في الحديبية.
وبعث صلى الله عليه وسلم للسرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم، فأنتم أحق به، فقالوا: يا رسول الله بل نرد عليه، فرد عليه ما أخذ منه.
وهذا السياق يدل على أن ذلك كان قبل صلح الحديبية ووقوع الهدنة، لأن بعد ذلك لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش، وهو يخالف قوله صلى الله عليه وسلم لها:«لا يخلص إليك، لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان في الحديبية» .
وقد ذكر بعضهم أن ذلك كان قبيل الفتح سنة ثمان، ومن ثم ذكر الزهري وتبعه ابن عقبة رحمهما الله تعالى أن الذين أخذوا هذا العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما رضي الله تعالى عنهم، لأنهم كانوا في مدة صلح الحديبية، من شأنهم أن كل عير مرت بهم لقريش أخذوها بغير معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فلما أخذوا هذه العير خلوا سبيل أبي العاص لكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل أعجزهم هربا، وجاء تحت الليل فدخل على زوجته زينب رضي الله تعالى عنها فاستجار بها فأجارته، ثم كلمها في أصحابه الذين أسروا، فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فخطب الناس وقال: إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه، وإنه قد أقبل من الشام في أصحاب له من قريش، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير وأسروهم، وأخذوا ما كان معهم، وأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟ فقال الناس: نعم، فلما بلغ أبا جندل وأبا بصير وأصحابهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الأسرى، وردوا عليهم كل شيء حتى العقال.
وصوّب في الهدى هذا الذي ذكره الزهري، أي لما علمت أن مما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لبنته زينب: ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له، لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان بعد الحديبية.