ذلك بعد، إلا أن يقال: لا تعدد لأم قرفة وتسمية المرأة في سرية أبي بكر أم قرفة وهم من بعض الرواة. ويدل عليه أن بعضهم أوردها ولم يسم المرأة أم قرفة، بل قال فيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر بنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق مرتين في يومين، فقال: يا سلمة هبني المرأة، فقلت: هي لك، فبعث بها إلى مكة ففدى بها ناسا كانوا أسرى بمكة.
ثم لا يخفى أن ما ذكره الأصل عن ابن إسحاق وابن سعد من أنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة إلى وادي القرى، أي غازيا لبني فزارة، وأنه لقيهم وأصيب بها ناس من أصحابه، وأفلت زيد من بين القتلى جريحا الخ يخالفه ما ذكر عن ابن سعد مما يقتضي أن زيد بن حارثة في هذه لم يكن غازيا، بل كان تاجرا، وأنه لم يرسل لبني فزارة وإنما اجتاز بهم فقاتلوه.
والمذكور عن ابن سعد ما نصه: قالوا: خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة فضربوه وضربوا أصحابه، أي فظنوا أنهم قد قتلوا وأخذوا ما كان معهم، فقدموا المدينة، ونذر زيد أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة، فلما خلص من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية لهم، وقال لهم: اكمنوا النهار وسيروا الليل، فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نزر بهم القوم، فكانوا يجعلون له ناظورا حين يصبحون فينظر على جبل يشرف على وجه الطريق الذي يرون أن المسلمين يأتون منه، فينظر قدر مسيرة يوم، فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم، فإذا أمسوا أشرف ذلك الناظر على ذلك الجبل فينظر مسيرة ليلة، فيقول ناموا فلا بأس عليكم في هذه الليلة، فلما كان زيد بن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة أخطأ بهم الدليل الفزاري طريقهم، فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهم على خطأ، فعاينوا الحاضر من بني فزارة، فحمدوا خطأهم فكمن لهم في الليل حتى أصبحوا فأحاطوا بهم ثم كبر زيد وكبر أصحابه إلى آخر ما تقدم.
ولما قدم زيد بن حارثة المدينة جاء إليه صلى الله عليه وسلم وقرع عليه الباب، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه واعتنقه وقبله، وسأله فأخبره بما ظفره الله تعالى به.
وحينئذ يشكل قوله في الأصل: ثبت عن ابن سعد أن لزيد بن حارثة سريتين بوادي القرى. إحداهما في رجب والأخرى في رمضان، فإنه بظاهرة يقتضي أنه أرسل غازيا في المرتين لبني فزارة بوادي القرى.
وقد علمت أن كلام ابن سعد يدل على أن زيد بن حارثة في السرية الأولى إنما كان تاجرا اجتاز ببني فزارة بوادي القرى.
وقد علمت أن كلام ابن سعد يدل على أن زيد بن حارثة في السرية الأولى إنما كان تاجرا اجتاز ببني فزارة بوادي القرى فقاتلوه هو وأصحابه وأخذوا ما معهم.