قلت: إنما قالها متعوّذا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» أي تمنيت أن أكون أسلمت اليوم فيكفر عني ما صنعت، قال: كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية، وقد تبع في ذلك ابن سعد.
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة، وسيأتي عن أسامة «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحناها، فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم، فتبعته أنا ورجل من الأنصار، فرفعت عليه السيف، فقال لا إله إلا الله» وزاد في رواية: «محمد رسول الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام، حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلني وأعتقني» قال بعضهم: «كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه، ويحب أن يثني عليه خيرا، فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل، فقال الرجل لا إله إلا الله، فشد عليه أسامة فقتله وهو صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم، فلما أكثروا عليه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه الشريف لأسامة فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله، فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فقال أسامة رضي الله تعالى عنه: إنما قالها خوفا من السلاح» وفي رواية: «إنما كان متعوّذا من القتل، قال أسامة رضي الله تعالى عنه:
ولا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر عليّ حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يؤمئذ» انتهى.
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النساء: الآية ٩٤] أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليها غالب بن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه. فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال:«لا إله إلا الله محمد رسول الله» السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوجدوا وجدا شديدا وقال: قتلتموه إرادة ما معه، ثم قرأ الآية على أسامة، فقال: يا رسول الله استغفر لي، قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي وقال: أعتق رقبة، وسيأتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد.
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو أربعة، وكون يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين، فقد