للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عهد له، وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام. ومن لا عهد له فعهده إلى انقضاء المحرم» .

وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه: سترون بعد الأربعة أشهر، فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب.

وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. أي وتقدم سبب الإتيان بذلك، ويطوف رجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل، فيقول الواحد منهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس عليّ شيء من الدنيا خالطه الظلم:

أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب.

وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش، يستعيره أو يكتريه، وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا، فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى.

وفي الكشاف: كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه، لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها. وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب.

وكانت النساء يطفن كذلك، وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا. وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله

فأنزل الله تعالى: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: الآية ٣١] قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: الآية ٣٢] فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة، أي وقيل الزينة المشط، وقيل الطيب.

وكان بنو عامر في أيام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم، فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك، فقيل لهم:

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: الآية ٣١] .

ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى، قال لبعض الحكماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء. والعلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان. فقال له:

قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه، قال له: وما هي، قال: قوله:

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: الآية ٣١] ، فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم صلى الله عليه وسلم شيء من الطب؟ قال: قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة. قال: وما هي؟

قال قوله: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وأعط كل بدن ما عودته» . فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>