فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم أخذ في هدمها اه، فهدمها بعد أن بدأ بكسر بابها حتى هدم أساسها وأخرج ترابها لما سمع سادنها يقول: ليغضبن الأساس فليخسفن بهم وأخذ مالها وحليها، فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود أخاه من مال الطاغية، فقضاه، فإن أبا مليح بن عروة بن مسعود وقارب ابن عمه ابن الأسود أخو عروة بن مسعود سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكانا قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين لما قتلت ثقيف عروة بن مسعود قبل أن تسلم ثقيف كما تقدم، وكان صلى الله عليه وسلم قد أجاب أبا مليح، فقال له نعم، فقال له ابن عمه قارب بن الأسود: وعن الأسود يا رسول الله، فإن عروة والأسود أخوان لأب وأم، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الأسود مات مشركا، فقال قارب: يا رسول الله إنما الدين عليّ وأنا الذي أطلب به.
ومن الوفود وفد بني تميم وقد تقدم ذكره: أي في الكلام على سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم، وفي ذلك الوفد عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم والأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر.
وذكر في الاستيعاب أنه كان مع وفد تميم قيس بن عاصم فأسلم، وذلك في سنة تسع، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد أهل الوبر، وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم. قيل للأحنف بن قيس- وكان من أحلم الناس: ممن تعلمت الحلم؟
قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدّث قومه، فأتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قد قتل ابنك، قال: فو الله ما حل حبوته ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال:
يا بن أخي بئس ما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.
وكان قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية. وسبب ذلك أنه سكر يوما فغمز عكنة ابنته وسب أبويها، ورأى القمر فصار يخاطبه، وأعطى الخمار مالا كثيرا، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه وقال في ذمها أبياتا كثيرة.
ولما حضرته الوفاة دعا بنيه، فقال لهم: يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني، إذا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم. وعليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل، فإذا مت فلا تنوحوا عليّ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، وقد قيل فيه من جملة أبيات عند موته: