رجع إلى مكة وهو قدامه على قربوس فرسه، ونحر الشياه والبقر، وأطعم أهل مكة.
أقول: وقول جده له من أنت يا غلام؟ لعله لكونه وجده على حالة لا توجد لمن يكون في سنه عادة كما تقدم عن حليمة من قولها: كان يشب شبابا لا يشبه الغلمان.
وفي السيرة الهاشمية أن الذى وجده هو ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب: أي ويقال إن عمرو بن نفيل رآه وهو لا يعرفه، فقال له: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى أتى به عبد المطلب.
وفي كلام بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) [الضّحى: الآية ٧] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي وصار ينشد وهو متعلق بأستار الكعبة:
يا رب رد ولدي محمدا
البيت، فجاء أبو جهل بين يديه على ناقة وقال لجدي ألا تدري ما وقع من ابنك؟ فسأله فقال: أنخت الناقة وأركبته من خلفي، فأبت أن تقوم، فأركبته من أمامي فقامت» ويحتاج إلى جمع على تقدير صحة كل مما ذكر.
وقد يقال: لا مانع من تعدد ذلك، ويدل لذلك أن بعض المفسرين قال في تفسير قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) [الضّحى: الآية ٧] قيل ضل عن حليمة مرضعته. وقيل ضل عن جده عبد المطلب وهو صغير.
قالت حليمة: فقالت أمه: ما أقدمك به يا ظئر، أي يا مرضعة؟ ولقد كنت حريصة عليه وعلى مكثة عندك. قلت: قد بلغ والله، وقضيت الذي عليّ وتخوفت عليه الأحداث فأديته إليك كما تحبين، فقالت: ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك؟
قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها، قالت: افتخوفت عليه الشيطان؟ قلت نعم، قالت:
كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإن لابني شأنا، أفلا أخبرك خبره؟ قلت بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فو الله ما رأيت: أي ما علمت من حمل قط كان أخف علي ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته إنه لواضع يده بالأرض رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.
قال: وعن حليمة أنه مر عليها جماعة من اليهود فقالت: ألا تحدثوني عن ابني هذا، حملته كذا ووضعته كذا، ورأيت كذا كما وصفت لها أمه: أي فإنها ذكرت لها ذلك مرتين عند دفعه لها وعند أخذه منها انتهى.
أقول: ولا ينافي ذلك قول آمنة لحليمة: أولا أخبرك خبره، وقول حليمة لها