وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ناقة تكون جيدة للركوب والحلب، من غير أن تكون لها ولد معها، فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلبها فشرب منها ثم سقاه، ثم قال: اللهم بارك فيها وفيمن منحها، فقال: يا رسول الله وفيمن جاء بها، فقال: وفيمن جاء بها. ومنهم حضرمي بن عامر ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد مع أصحابه، فسلموا عليه، وقال شخص منهم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله، وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا، ونحن لمن وراءنا.
أي وفي لفظ إن حضرمي بن عامر قال: أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء: أي ذات قحط ولم تبعث إلينا. وفي رواية: يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧)[الحجرات: الآية ١٧] .
وسألوه صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلونه في الجاهلية، من العيافة وهي زجر الطير، والتخرص على الغيب، والكهانة، وهي الأخبار عن الكائنات في المستقبل، وضرب الحصباء، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله خصلة بقيت، فقال: وما هي؟
قالوا الخط: أي خط الرمل ومعرفة ما يدل عليه، قال صلى الله عليه وسلم: علمه نبي، فمن صادف مثل علمه علم. أي وفي رواية لمسلم: فمن وافق خطه، أي علم موافق خطه فذاك:
أي يباح له وإلا فلا يباح له إلا بتبيين الموافقة.
أي وفي شرح مسلم أن محصل مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه، أي لأنه لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، وكأنه صلى الله عليه وسلم قال: لو علمتم موافقته، لكن لا علم لكم بها، وأقاموا أياما يتعلمون الفرائض، ثم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه وأمر لهم بجوائز ثم انصرفوا إلى أهليهم.
ومنها وفد بني عذرة: قبيلة باليمن، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا من بني عذرة، أي وسلموا بسلام الجاهلية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القوم؟ فقال قائلهم: من بني عذرة: أي أخو قصي لأمه: نحن الذين عضدوا قصيا، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، فلنا قرابات وأرحام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبا بكم وأهلا: أي لقيتم رحبا وأتيتم أهلا، فاستأنسوا ولا تستوحشوا، ما أعرفني بكم، قال:
ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم: فما يمنعكم من تحية الإسلام؟ قالوا: يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا، فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا، وقالوا إلام تدعو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس كافة، فقال متكلمهم: فما وراء ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس تحسن