للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ثم قال الثاني منهم لصاحبه تنح عنه، فنحاه عني، ثم أدخل يده في جوفي، فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء» تقدم التعبير عنها بالعلقة السوداء «ثم رمى بها، ثم قال بيده يمنة منه كأنه يتناول شيئا، وإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه فختم به قلبي» أي بعد التئام شقه «فامتلأ نورا وذلك نور النبوة والحكمة» وقد تقدم «وملأه حكمة وإيمانا» وإن السكينة ذرت فيه ثم أعاده مكانه فوجدت برد الخاتم في قلبي دهرا، وفي رواية «فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي» .

أقول: نقل شيخ بعض مشايخنا الشيخ نجم الدين الغيطي عن مغازي بن عائذ في حديثه صلى الله عليه وسلم لأخي بني عامر «وأقبل أي الملك وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه» فليتأمل، وقوله «فصدعه» يدل بظاهره على أن صدعه كان بيد الملك، فلم يشقه بآلة، وحينئذ يكون المراد بالشق الصدع بلا آلة. وقد طوى في هذه الرواية ذكر ملء قلبه حكمة وإيمانا، وأنه ذرّ فيه السكينة. وذكر في هذه الرواية أن الختم كان لقلبه صلى الله عليه وسلم، وفي الرواية قبلها «أنه كان بين كتفيه» وفي رواية ابن عائذ «وبين ثدييه» ويحتاج إلى الجمع. والظاهر أن متعاطي الختم جبريل، ويدل عليه قول صاحب الهمزية رحمه الله في هذه القصة ختمته يمنى الأمين. وسيأتي التصريح بذلك لكن في غيره هذه القصة والله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم: «ثم قال الثالث لصاحبه تنحّ عنه فنحاه عني فأمرّ يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي، فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى، وختم عليه» وفي رواية «قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه» .

أقول: وقد يقال معنى خطه ألحمه، فخاطه «أي لحمه» أي مرّ بيده عليه فالتحم أي فلا يخالف ما سبق، ولا ينافيه ما في الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم، لجواز أن يكون المراد يرون أثرا كأثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم وهو أثر مرور يد جبريل عليه الصلاة والسلام، وهذا طوى ذكره في الروايات السابقة، وقوله ختم عليه يقتضي أن الختم كان في صدره صلى الله عليه وسلم وهو الموافق لما تقدم عن ابن عائذ أنه بين ثدييه لكنه زاد بين كتفيه، وتقدم أن الختم كان بقلبه.

وقد يقال في الجمع، لا مانع من تعدد الختم في المحال المذكورة أي في قلبه وصدره وبين كتفيه، فختم القلب لحفظ ما فيه، وختم الصدر وبين الكتفين مبالغة في حفظ ذلك لأن الصدر وعاؤه القريب، وجسده وعاؤه البعيد، وخص بين الكتفين لأنه أقرب إلى القلب من بقية الجسد، ولعله أولى من جواب القاضي عياض رحمه الله بأن الذي بين كتفيه هو أثر ذلك الختم الذي كان في صدره، إذ هو خلاف الظاهر من قوله: «وجعل الخاتم بين كتفيّ» وفيه السكوت عن ختم قلبه، ولا يحسن أن يراد بالصدر القلب من باب تسمية الحالّ باسم محله، لأنه يصير ساكتا عن ختم الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>