قال بعضهم لبعض: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا كما تقدم، فلما كانت هذه الحجة فعلوا كذلك فصارت سنة.
قال: وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود وثبت أنه استلمه بيده ثم قبلها. وثبت أنه استلمه بمحجنه فقبل المحجن، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني ولا قبل يده حين استلمه اه.
وعند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه يستحب أن يقبل ما استلمه به. روى إمامنا الشافعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:«استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه طويلا، وكان صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: بسم الله والله أكبر، وقال بينهما: أي بين الركن اليماني والحجر رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ [البقرة: الآية ٢٠١] ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء من الأذكار في غير هذا المحل حول الكعبة، ولم يستلم الركنين المقابلين للحجر، أي لأنهما ليسا على قواعد سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه: «إنك رجل قويّ لا تزاحم على الحجر» أي الأسود تؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر» وأخذ منه بعض فقهائنا أن من شق عليه استلام الحجر الأسود يسن له أن يهلل ويكبر.
ثم بعد الطواف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، جعل المقام بينه وبين الكعبة: أي استقبل جهة باب المحل الذي به المقام الآن، وهو المراد بخلف المقام، قرأ فيهما مع أم القرآن قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١)[الكافرون: الآية ١] : وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)[الإخلاص: الآية ١] ودخل صلى الله عليه وسلم زمزم، فنزع له دلو فشرب منه، ثم مج فيه، ثم أفرغها في زمزم، ثم قال: لولا أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت. أي وتقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لا نتزعت منها دلوا، وانتزع له العباس. ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، وقرأ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: الآية ١٥٨] ابدؤوا بما بدأ الله به، فسعى بين الصفا والمروة سبعا راكبا على بعيره» .
وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه، أن سعيه الذي طاف لقدومه كان على قدميه لا على بعير، أي فذكر البعير في هذا السعي غلط من بعض الرواة.
ثم رأيت بعضهم قال: بعض الروايات عن جابر وغيره يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ماشيا بين الصفا والمروة. ولعل بين الصفا والمروة مدرجة، أو أنه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة بعض المرات على قدميه، فلما ازدحم الناس عليه ركب في الباقي.
ويدل لذلك أنه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن قومك يزعمون السعي بين الصفا والمروة راكبا سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، فقيل: كيف صدقوا وكذبوا؟