عليه الصلاة والسلام عرفة ونزل في تلك القبة حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء بفتح القاف والمد، وقيل بضم القاف والقصر، وهو خطأ كما تقدم.
وفي كلام الأصل أن القصواء والعضباء والجدعاء اسم لناقة واحدة وفيه ما لا يخفى. فرحلت ثم أتى بطن الوادي فخطب على راحلته خطبة ذكر فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض، ووضع ربا الجاهلية، وأول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي الله تعالى عنه. ووضع الدماء في الجاهلية، وأوّل دم وضعه دم ابن عمه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قتلته هذيل فقال: هو أوّل دم أبدأ به من دماء الجاهلية، موضوع فلا يطالب به في الإسلام وأوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، وأباح ضربهنّ غير المبرح إن أتين بما لا يحل. وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على أزواجهن. وأمر صلى الله عليه وسلم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل، أي وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، وأخبر إنه لا يضل من اعتصم به، وأشهد الله عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمهم، فاعترف الناس بذلك. وأمر أن يبلغ ذلك الشاهد والغائب.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع وربا الجاهلية موضوع، وأوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب. فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنكم لتسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم فاشهد ثلاث مرات» .
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم أمر مناديا صار ينادي بكل ما قاله من ذلك: أي وهو ربيعة بن أمية بن خلف أخو صفوان بن أمية وكان صّيتا. وصار صلى الله عليه وسلم يقول له: يا ربيعة قل: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا كما تقدم، فيصرخ به وهو واقف تحت صدر ناقته صلى الله عليه وسلم.
وربيعة هذا ارتد في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه شرب الخمر، فهرب منه إلى الشام، ثم هرب إلى قيصر فتنصر ومات عنده.
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، أنه طاف ليلة هو وعمر رضي الله تعالى عنهما للحرس بالمدينة فرأوا نورا في بيت، فانطلقوا يؤمونه، فإذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله تعالى عنه لعبد الرحمن: تدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية، وهم الآن شرب، فما ترى؟ قال: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: الآية ١٢] فانصرف عمر. ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه غرب ربيعة إلى خيبر فكان ما تقدم.