وعند ذلك خرج طلحة والزبير رضي الله عنهما على فرسين وخرج إليهما علي كرم الله وجهه، ودنا كل واحد من الآخر. فقال لهما عليّ: لعمري لقد أعددتما خيلا ورجالا وسلاحا، فاتقيا الله ولا تكونا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [النحل: الآية ٩٢] ألم تكونا: أخويّ في الله تحرمان دمي وأحرم دمكما؟ فقال له طلحة رضي الله عنه: ألبت الناس على عثمان، فقال له علي كرم الله وجهه: أنتما خذلتما، حتى قتل، فسلط الله اليوم على أشرنا على عثمان ما يكره، ثم توافقوا على الصلح، وقتل من كان له دخل في قتل عثمان رضي الله عنه.
وبات الفريقان على ذلك. وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وباتوا يتشاورون. ثم اتفقوا على إنشاب الحرب، فلما كان وقت الغلس ثاروا ووضعوا السلاح، فثار الناس، فخرج طلحة والزبير في وجوه الناس. وقالا: ما هذا؟ قالوا:
طرقنا جيش عليّ فقالا: علمنا أن عليا غير سيفه حتى يسفك الدماء، ويستحل الحرمة: فقام علي كرم الله وجهه في وجوه الناس. وقال: ما هذا، قالوا: طرقنا جيش عائشة. فقال: لقد علمت أن طلحة والزبير غير سفيهين حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة، ونشبت الحرب فألبسوا هودج عائشة رضي الله عنها الدروع، ووقفت على الجمل، وصار كل من أخذ زمامه قتل، وقتل طلحة رضي الله عنه جاءه سهم غرب يقال أرسله له مروان بن الحكم وهو كان في جيش أم المؤمنين. وفر الزبير رضي الله عنه لما قال له علي كرم الله وجهه: يا زبير أتذكر لما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك تقاتلني وأنت ظالم لي؟ فقال: والله لو ذكرت ذلك ما قاتلتك ولا سرت سيري هذا، ولكن رجوعي عين العار فقال له علي كرم الله وجهه: ترجع بالعار ولا ترجع بالنار، فترك وذهب، وصار الهودج مثل القنفذ من كثرة النشاب.
فعند ذلك عقروا الجمل، ووقع الهودج على الأرض، وجعلت تقول عائشة رضي الله عنها: يا بني اتبعنه اتبعنه.
وعند ذلك قال علي كرم الله وجهه لمحمد بن أبي بكر رضي الله عنهما، انظر أختك هل أصابها شيء؟ فلما جاءها وأدخل يده، قالت: من أنت؟ قال: ابن الخثعمية، قالت: محمد؟ قال نعم. قالت: بأبي أنت وأمي، الحمد لله الذي عافاك.
وفي رواية قال لها: أخوك محمد البار، فقالت: بل مذمم العاق فضرب عليها فسطاطا، فلما كان من آخر الليل خرج بها، وأدخلها البصرة وأنزلها في دار صفية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وبكت عائشة رضي الله عنها بكاء كثيرا وقالت: وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وقد قال علي كرم الله وجهه مثل ذلك لما رأى من كثرة القتلى، فقد قيل: إن القتلى بلغت عشرة آلاف، وقيل ثلاثة عشر ألفا.