وإخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات باب واسع. منه الإخبار بالحوادث الكائنة بعده إلى آخر الزمان. والإخبار عن أحوال يوم القيامة من القضاء والحشر والحساب، والإخبار عن الجنة والنار.
فعن حذيفة رضي الله تعالى عنه:«لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة» وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوما وصعد المنبر فخطب حتى حضرت الظهر فنزل فصلى الظهر، ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم صعد المنبر فخطب حتى غربت الشمس فأخبر بما كان وبما هو كائن.
ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن في جماعة من المهاجرين والأنصار:«يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي غدا وقبري» وكان كذلك، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ باليمن، ولم يتقدم إلا في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «سنفتح عليكم مصر، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم رحما وصهرا، والمراد بالرحم، أم إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام جده صلى الله عليه وسلم فإنها كانت قبطية، والمراد بالصهر أم ولده إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها كانت قبطية كما علمت.
ومنها إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم غير ما تقدم: فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب الأنصاري أي غير البدري، لأن ذاك قتل بأحد، وهذا تأخر إلى زمن عثمان رضي الله تعالى عنه كما سيأتي خلافا لمن وهم في ذلك، لأن من شهد بدرا لا يدخل النار:
وكثيرا ما يقع الاشتراك في الاسم واسم الأب كما قال بعض الصحابة، وهو طلحة بن عبيد الله: لئن مات محمد صلى الله عليه وسلم لأتزوجن عائشة من بعده، فأنزل الله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب: الآية ٥٣] الآية، ظن بعضهم أن المراد بطلحة هذا أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحشاة من ذلك، وهو أجلّ مقاما من أن يصدر منه مثل ذلك.
ولما قال ثعلبة بن حاطب له: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، ثم أتاه مرة أخرى فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال له صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فو الذي نفسي بيده، لو سألت ربي أن يسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت، فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأوتين كل ذي حق حقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا، فاتخذ غما فصارت تنمى كما ينمى الدود، وضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من