والمشاورة في أمر الدين والدنيا لذوي من الأحلام من الأمور الاجتهادية. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما نزلت هذه الآية: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: الآية ١٥٩] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ورسوله غنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة في أمتي، فمن شاور منهم لم يعدم رشدا، ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا» وقد وقيل:
الاستشارة حصن من الندامة ومصابرة العدو وإن كثر.
وفي الحاوي للماوردي:«أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بارز رجلا لا ينفك عنه قبل قتله» هذا كلامه، ولم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم بارز أحدا.
وقضاء دين من مات معسرا من المسلمين، وأداء الجنايات والكفارات عن من لزمته وهو معسر، وتخيير نسائه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة أي بين زينة الدنيا ومفارقته، بين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته، وأن من اختارت الدنيا يفارقها ومن اختارت الآخرة يمسكها ولا يفارقها: أي لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)[الأحزاب: الآية ٢٨، ٢٩] .
قيل اختلف سلف هذه الأمة في سبب نزول هذه الآية على تسعة أقوال: فقد قيل نزلت لما طلبن منه صلى الله عليه وسلم زيادة في النفقة، فاعتزلهن شهرا، ثم أمر بتخييرهن فيما ذكر كما تقدم.
عن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: جاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه ليأذن لهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه، أي قد سألنه النفقة وهو حاجم ساكت لا يتكلم، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني زوجته سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألتني النفقة، فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة فوجأ عنقها، وكل يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمع بهن شهرا.
فعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ذكر أن بعض أصدقائه من الأنصار جاء إليه ليلا ودق عليه بابه وناداه، قال عمر: فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. فقلت ماذا؟ أجاءت غسان، لأنا كنا حدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فقال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت: خابت حفصة وخسرت،